فلما سكت آدم على ما قرره موسى صحّ أن الدار التي أخرجهم الله - عَزَّ وَجَلَّ - منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها.
وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها، وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء.
وقد أجمع أهل التأويل على أنَّ الملائكة يدخلون الجَنَّة على أهل الجَنَّة ويخرجون منها، وقد كان مفاتيحها بيد إبليس، ثم انتزعت منه بعد المعصية، وقد دخلها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الإسراء، ثم خرج منها، وأَخبر بما فيها، وأنها هي جنة الخلد حقًّا.
وأما قولهم: إن الجَنَّة دار القدس، وقد طهَّرها الله تعالى من الخطايا فجهل منهم، وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة، وهي الشام، وأجمع أهل الشرائع على أنَّ الله تعالى قدّسها، وقد شوهد فيها المعاصي والكفر والكذب، ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي، وكذلك دار القدس.
قال أبو الحسن بن بطال: وقد حَكَى بعض المشايخ أن أهل السُّنَّة مجمعون على أنَّ جنة الخلد هي التي أُهبط منها آدم - عَلَيْهِ السَّلَام -، فلا معنى لقول من خالفهم.
وقولهم: كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد؟، فيُعْكَس عليهم، ويقال: كيف يجوز على آدم، وهو في كمال عقله، أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء؟ هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكة من عقل، فكيف بآدم الذي هو من أرجح الخلق عقلًا. انتهى (١).
٦ - (ومنها): ما قاله ابن جرير الطبريّ عند تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الآية قال: وفي هذه الآية دلالة واضحة على صحة قول من قال: إن إبليس أُخرج من الجَنَّة بعد الاستكبار عن السجود لآدم، وأسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض، ألا تسمعون الله جل ثناؤه يقول: