للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخوّة الآدمية، فإنَّ الناس كلّهم بنو آدم، ودلّ على ذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فإنَّ الله خلق آدم على صورته"؛ أي: على صورة وجه المضروب، فكأنّ اللاطم في وجه أَحَد وَلَد آدم لَطَم وجه أبيه آدم، وعلى هذا فيحرم لَطْم الوجه من المسلم والكافر، ولو أراد الأخوّة الدينية لَمَا كان للتعليل بخلق آدم على صورته معنى.

لا يقال: الكافر مأمور بقتله، وضَرْبه في أي عضو كان؛ إذ المقصود إتلافه، والمبالغة في الانتقام منه، ولا شك في أن ضرب الوجه أبلغ في الانتقام، والعقوبة، فلا يُمنَع، وإنما مقصود الحديث إكرام وجه المؤمن؛ لِحُرمته.

لأنَّا نقول: مسلَّم أنّا مأمورون بقتل الكافر، والمبالغة في الانتقام منه، لكن إذا تمكّنّا من اجتناب وجهه اجتنبناه؛ لشرفيّة هذا العضو، ولأن الشرع قد نَزَّل هذا الوجه منزلة وجه أبينا، وقبيحٌ لطمُ الرجل وجهًا يُشبه وجه أبي اللاطم، وليس كذلك سائر الأعضاء؛ لأنَّها كلّها تابعة للوجه. انتهى (١).

(فَلْيَجْتَنِبِ) وفي الرواية الآتية: "فليتّق"، وهو بمعنى "يجتنب"، وقوله: (الْوَجْهَ) منصوب على المفعوليَّة؛ أي: ضَرْب الوجه من كل مضروب معصوم وجوبًا؛ لأنه شينٌ، ومُثلة له؛ للطافته، وشَرَفه على جميع الأعضاء الظاهرة؛ لأنه الأصل في خلقة الإنسان، وغيره من الأعضاء خادم؛ لأنه الجامع للحواسّ التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة، ولأنه أول الأعضاء في الشخوص، والمقابلة، والتحدّث، والقصد، ولأنه مدخل الروح، ومخرجه، ومقرّ الجمال والحُسن، وبه قوام الحيوان كلّه ناطقه وغير ناطقة، فلما كان بهذه المثابة احترمه الشرع، وأمر بعدم التعرض له في عدَّة أخبار، بضرب، أو إهانة، أو تقبيح، أو تشويه، قاله المناويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

وقال في "الفتح": وقد أخرجه مسلم من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ: "فليتق" بدل: "فليجتنب"، وهي رواية أبي نعيم، وأخرجه مسلم أيضًا من طريق الأعرج، عن أبي هريرة، بلفظ: "إذا ضرب"، ومثله للنسائيّ من طريق عجلان، ولأبي داود من طريق أبي سلمة، كلاهما عن أبي هريرة،


(١) "المفهم" ٦/ ٥٩٧ - ٥٩٨.
(٢) "فيض القدير" ١/ ٣٩٧.