وهو يفيد أن قوله:"قاتل" بمعنى قتل، وأن المفاعلة فيه ليست على ظاهرها، ويَحْتَمِل أن تكون على ظاهرها؛ ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلًا، فينهَى دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه، ويدخل في النهي كل من ضرب في حدّ، أو تعزير، أو تأديب، وقد وقع في حديث أبي بكرة وغيره، عند أبي داود وغيره، في قصة التي زنت، فأمر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجمها، وقال:"ارمُوا، واتقوا الوجه"، وإذا كان ذلك في حقّ من تعيَّن إهلاكه، فمَن دونه أَولى.
قال النوويّ: قال العلماء: إنما نُهي عن ضرب الوجه؛ لأنه لطيف، يجمع المحاسن، وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه، فيُخشَى من ضربه أن تبطل، أو تتشوه كلّها، أو بعضها، والشين فيها فاحش؛ لظهورها، وبروزها، بل لا يسلم إذا ضربه غالبًا من شين. انتهى.
قال الحافظ: والتعليل المذكور حسنٌ، لكن ثبت عند مسلم تعليل آخر، فإنه أخرج الحديث المذكور من طريق أبي أيوب المراغيّ، عن أبي هريرة، وزاد:"فإن الله خلق آدم على صورته".
واختُلف في الضمير على من يعود، فالأكثر على أنه يعود على المضروب؛ لِمَا تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك، لَمْ يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها.
وقال القرطبيّ: أعاد بعضهم الضمير على الله؛ متمسكًا بما ورد في بعض طُرُقه:"إن الله خلق آدم على صورة الرَّحمن". قال: وكأن من رواه أورده بالمعنى؛ متمسكًا بما توهّمه، فغَلِط في ذلك.
وقد أنكر المازريّ، ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها، فيُحْمَل على ما يليق بالباري - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.
قال الحافظ: الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في "السُّنَّة"، والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات، وأخرجها ابن أبي عاصم أيضًا من طريق أبي يونس، عن أبي هريرة، بلفظٍ يرُدّ التأويل الأول، قال:"من قاتل فليجتنب الوجه، فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرَّحمن"، فتعيّن إجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السُّنَّة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جلّ جلاله.