للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ونَسَبه ابن قتيبة إلى أهل الكلام، فقال: فقال قوم من أصحاب الكلام: أراد: خلق آدم على صورة آدم، لَمْ يزد على ذلك (١). وإليه ذهب العراقيّ في "طرح التثريب" (٢).

وقد ردّ الأئمة هذا القول وأبطلوه وبدّعوا قائله:

فقد قال الإمام أحمد - لمّا ذُكر له قول أبي ثور المتقدم -: من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي، وأيُّ صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟ (٣).

وقال ابن قتيبة - بعد ذِكره لهذا القول -: ولو كان المراد هذا، ما كان في الكلام فائدة، ومن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته، والسِّباع على صورها، والأنعام على صورها؟ (٤).

وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية لفساد هذا القول تسعة أوجه في كتابه "بيان تلبيس الجهميّة"، نقتصر على ذكر ثلاثة منها (٥)؛ لأنَّها كافية في إبطاله:

* أحدها: أنه إذا قيل: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة آدم، أو لا تقبحوا الوجه، ولا يقل أحدكم: قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورة آدم، كان هذا من أفسد الكلام، فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلًا، فإن كون آدم مخلوقًا على صورة آدم، فأي تفسير فسَّر به فليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنيه، ولا عن تقبيحها وتقبيح ما يشبهها، وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فرّق الحديث المروي: "إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه" مفردًا، وروي قوله: "إن الله خلق آدم على صورته" مفردًا، أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمنع فيه، وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا يناسب هذا الحكم.

* الوجه الثاني: أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم، فلو كان


(١) "تأويل مختلف الحديث" ص ٣١٨.
(٢) "طرح التثريب" ٨/ ١٠٤.
(٣) "طبقات الحنابلة" ١/ ٣٠٩.
(٤) "تأويل مختلف الحديث" ص ٣١٨.
(٥) هي التي اقتصر عليها صاحب رسالة "حديث الصورة".