للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مانعًا من ضرب الوجه أو تقبيحه لوجب أن يكون مانعًا من ضرب سائر الوجوه وتقبيح سائر الصور، وهذا معلوم الفساد في العقل والدين، وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام، وإضافة ذلك إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصدر إلَّا عن جهل عظيم أو نفاق شديد؛ إذ لا خلاف في علمه وحكمته وحُسن كلامه وبيانه.

* الوجه الثالث: أن هذا تعليل للحكم بما يوجب نفيه، وهذا من أعظم التناقض، وذلك أنهم تأولوا الحديث على أنَّ آدم لَمْ يُخلق من نطفة وعَلَقة ومضغة، وعلى أنه لَمْ يتكوّن في مدة طويلة بواسطة العناصر، وبَنُوه قد خُلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، وخُلقوا في مدة عناصر الأرض … ، فإن كانت العلة المانعة من ضرب الوجه وتقبيحه كونه خُلق على ذلك الوجه، وهذه العلة منتفية في بَنِيه، فينبغي أن يجوز ضرب وجوه بَنِيه وتقبيحها لانتفاء العلة فيها، فإن آدم هو الذي خُلق على صورة دونهم؛ إذ هم لَمْ يُخلقوا كما خُلق لآدم على صورهم التي هم عليها، بل نُقلوا من نطفة إلى علقة إلى مضغة (١).

[القول الثالث]: أن الضمير يعود على الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.

وقد ذكر الإمام أحمد هذا القول فيما أملاه على بعض أصحابه من أقوال أهل السُّنَّة والجماعة، قال القاضي أبو الحسين في طبقات الحنابلة - في ترجمة أبي جعفر محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي -: نقلت من خط أحمد الشنجي بإسناده قال: سمعت محمد بن عوف يقول: أملى عليّ أحمد بن حنبل - فذكر جملة من المسائل التي أملاها عليه مما يعتقده أهل السُّنَّة والجماعة، ومنها -: وأن آدم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلق على صورة الرَّحمن كما جاء الخبر عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢).

وحكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عن جمهور السلف.

قال ابن قتيبة - رَحِمَهُ اللهُ -: والذي عندي - والله تعالى أعلم - أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنَّها لَمْ تأت في القرآن، ونحن نؤمن


(١) "بيان تلبيس الجهميّة" ٦/ ٤٣٣.
(٢) "طبقات الحنابلة" ١/ ٣١٣.