للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من النقص في أمر الدِّين، فلا بأس عليه، كما قال أنس - رضي الله عنه -: لا أعرف من أمة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلا أنهم يصلّون جميعًا، هكذا فسّره الإمام مالك، وتابعه الناس عليه.

وقال الخطابيّ: معناه: لا يزال الرجل يَعيب الناس، ويذكر مساويهم، ويقول: فسد الناس، وهلكوا، ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك، فهو أهلكهم؛ أي: أسوأ حالًا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم، والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العُجب بنفسه، ورؤيته أنه خير منهم، والله أعلم. انتهى (١).

وقال الإمام أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: معناه عند أهل العلم: أن يقولها الرجل احتقارًا للناس، وإزراء عليهم، وإعجابًا بنفسه، وأما إذا قال ذلك تأسفًا وتحزنًا وخوفًا عليهم؛ لِقُبح ما يرى من أعمالهم، فليس ممن عُني بهذا الحديث، والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضيًا عن نفسه، مُعْجَبًا بها، حاسدًا لمن فوقه، محتقرًا لمن دونه، ويكون في الوجه الثاني ماقتًا لنفسه، مُوَبِّخًا لها، غير راض عنها، رَوَينا عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: لن يفقه الرجل كلَّ الفقه حتى يَمْقُت الناس كلهم في ذات الله، ثم يعود إلى نفسه، فيكون لها أشدّ مقتًا.

ثم أخرج بسنده عن صالح بن خالد أنه قال: إذا أردت أن تعمل من الخير شيئًا، فأنزل الناس منزلة البقر، إلا أنك لا تحقرهم.

قال أبو عمر: معنى هذا -والله أعلم- أي: لا تلتمس من أحد فيه شيئًا غير الله، وأخلص عملك له وحده، كما أنك لو اطَّلَع عليك البقر، وأنت تعمله، لم تَرْجُ منها عليه شيئًا، فكذلك لا ترجو من الآدميين، ثم بيَّن لك المعنى، فقال: إلا أنك لا تحقرهم. انتهى (٢).

وقوله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ:) إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الزاهد النيسابوريّ المتوفّى في رجب سنة (٣٠٨ هـ) وهو راوي هذا الكتاب عن مسلم، تقدّمت ترجمته في "المقدّمة" ٦/ ٧٣.


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٧٥ - ١٧٦.
(٢) "التمهيد" لابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- ٢١/ ٢٤٢ - ٢٤٣.