للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(لَا أَدْرِي)؛ أي: لا أعلم، (أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ) بتقدير الاستفهام؛ أي: أأهلكَهم يُضبط بالنصب، (أَو أَهْلَكُهُمْ) يُضبط (بِالرَّفْعِ) غرض أبي إسحاق هذا بيان شكّه في ضبط هذا الاسم، وهو قوله: "أهلكهم" هل هو بالنصب، أو بالرفع؟ قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقد قيّده الناس بعده بالوجهين، وكلاهما له وجه، فإذا كان بالرفع: فمعناه أن قائل ذلك القول هو أحقّ الناس بالهلاك، أو أشدّهم هلاكًا، ومَحْمِله على ما إذا قال ذلك مُحَقِّرًا للناس، وزاريًا (١) عليهم، مُعجبًا بنفسه، وعمله، ومن كان كذلك فهو الأحقّ بالهلاك منهم، فأمَّا لو قال ذلك على جهة الشفقة على أهل عصره، وأنهم بالنسبة إلى من تقدّمهم من أسلافهم كالهالكين، فلا يتناوله هذا الذمّ، فإنَّها عادة جارية في أهل العلم، والفضل، يعظّمون أسلافهم، ويُفضّلونهم على مَن بعدهم، ويُقَصِّرون بمن خلفهم، وقد يكون هذا على جهة الوعظ والتذكير؛ ليقتدي اللاحق بالسابق، فيجتهد المقصّر، ويتدارك الْمُفَرِّط، كما قال الحسن -رَحِمَهُ اللهُ-: لقد أدركت أقوامًا لو أدركتموهم لقلتم: مرضى، ولو أدركوكم لقالوا: هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب.

وأفاد من قيّده بالنصب، فيكون معناه: أن الذي قال لهم ذلك مُقَنِّطًا لهم هو الذي أهلَكَهم بهذا القول، فإنَّ الذي يسمعه قد ييأس من رحمة الله، فيَهْلِك، وقد يغلب على القائل رأي الخوارج، فيُهلك الناس بالخروج عليهم، ويشقّ عصاهم بالقتال، وغير ذلك، كما فعلت الخوارج، فيكون قد أهلكهم حقيقة وحسًّا.

وقيل: معناه: أن الذي قال فيهم ذلك هو الذي أهلكهم، لا الله تعالى، فكأنه قال: هو الذي ظنّ ذلك من غير تحقيق، ولا دليل من جهة الله تعالى، والله تعالى أعلم (٢).


(١) يقال: زرى عليه؛ أي: عاتبه، وعاب عليه، كأزرى، وهذه قليلة، أفاده في "القاموس".
(٢) "المفهم" ٦/ ٦٠٨ - ٦٠٩.