عن أبي (بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الأنصاريّ المدنيّ (أَنَّ عَمْرَةَ) بنت عبد الرحمن الأنصاريّة، وهي أم أبي بكر الراوي عنها، (حَدَّثَتْهُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:"مَا زَالَ جِبْرِيلُ) -عَلَيْهِ السَّلامُ- (يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظنَنْتُ أَنَّهُ لَيُوَرِّثَنَّهُ")؛ أي: يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره.
واختُلف في المراد بهذا التوريث، فقيل: يُجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يُعطاه مع الأقارب، وقيل: المراد: أن يُنَزَّل منزلة من يرث في البِرّ والصلة، والأول أظهر، فإن الثاني استمرّ، والخبر مُشعِر بأن التوريث لم يقع، ويؤيده ما أخرجه البخاريّ من حديث جابر - رضي الله عنه - نحو حديث الباب بلفظ:"حتى ظننت أنه يَجْعل له ميراثًا".
وقال ابن أبي جمرة: الميراث على قسمين: حسيّ، ومعنويّ، فالحسيّ هو المراد هنا، والمعنويّ ميراث العلم، ويمكن أن يُلحظ هنا أيضًا، فإن حقّ الجار على الجار أن يعلّمه ما يحتاج إليه، والله أعلم.
واسم الجار يَشْمَل المسلم، والكافر، والعابد، والفاسق، والصديق، والعدوّ، والغريب، والبلديّ، والنافع، والضارّ، والقريب، والأجنبيّ، والأقرب دارًا، والأبعد، وله مراتب، بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأُوَل كلّها، ثم أكثرها، وهَلُمّ جَرّا إلى الواحد، وعكسُهُ من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيُعطَى كلٌّ حقه بحسب حاله، وقد تتعارض صفتان فأكثر، فيُرَجَّح، أو يُساوَى.
وقد حمله عبد الله بن عمروأحدُ من روى الحديث على العموم، فأمر لمّا ذُبحت له شاة أن يُهدَى منها لجاره اليهوديّ، أخرجه البخاريّ في "الأدب المفرد"، والترمذيّ، وحسّنه.
وقد وردت الإشارة إلى ما ذُكِر في حديث مرفوع، أخرجه الطبرانيّ من حديث جابر - رضي الله عنه -، رفعه:"الجيران ثلاثة: جار له حقّ، وهو المشرك، له حقّ الجوار، وجار له حقان، وهو المسلم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق، مسلم له رَحِم، له حق الجوار والإسلام والرحم"(١).