للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ: الجار يُطلق، ويراد به الداخل في الجوار، ويُطلق، ويراد به المجاور في الدار، وهو الأغلب، والذي يظهر أنه المراد به في الحديث الثاني؛ لأن الأول كان يَرِث ويورَث، فإن كان هذا الخبر صدر قبل نَسْخ التوريث بين المتعاقدَين فقد كان ثابتًا، فكيف يترجى وقوعه، وإن كان بعد النَّسخ فكيف يُظَنّ رجوعه بعد رفعه، فتعيَّن أن المراد به المجاور في الدار.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (١): حِفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة، كالهدية، والسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقّد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه، إلى غير ذلك، وكفّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه، حسيةً كانت، أو معنويةً، وقد نفى - صلى الله عليه وسلم - الإيمان عمن لم يأمَن جاره بوائقه، كما في الحديث الذي يليه، وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حقّ الجار، وأن إضراره من الكبائر، قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح، وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخصّ الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفّه عن الذي يرتكبه بالحسنى، على حسب مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه، ويبيِّن محاسنه، والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا، ويستر عليه زَلَلَه عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فبه، وإلا فيهجره قاصدًا تأديبه على ذلك، مع إعلامه بالسبب؛ ليكفّ. انتهى ملخصًا.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:

أخرجه (المصنّف) هنا [٤٢/ ٦٦٦٢ و ٦٦٦٣] (٢٦٢٤)، (والبخاريّ) في "الأدب" (٦٠١٤) وفي "الأدب المفرد" (١٠١ و ١٠٦)، و (أبو داود) في


(١) "بهجة النفوس" ٤/ ١٦٥.