للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: ووقع في رواية أبي داود: "اشفعوا لتؤجروا"، وهو يقوّي أن اللام للتعليل.

وجوّز الكرمانيّ أن تكون الفاء سببيّةً، واللام بالكسر، وهي لام "كي"، قال: وجاز اجتماعهما لأنهما لأمر واحد. ويَحْتَمِل أن تكون جزائيّةً جوابًا للأمر. ويَحْتَمِل أن تكون زائدةً على رأي، أو عاطفة على "اشفعوا"، واللام لام الأمر، أو على مقدّر؛ أي: اشفعوا لتؤجروا، فلتؤجروا، أو لفظ: "اشفعوا تؤجروا" في تقدير: إن تشفعوا تؤجروا، والشرط يتضمّن السببيّة، فإذا أُتي باللام وقع التصريح بذلك.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الفاء واللام زائدتان للتأكيد؛ لأنه لو قيل: اشفعوا تؤجروا صحّ؛ أي: إذا عَرَضَ المحتاجُ حاجته عليّ، فاشفعوا له إليّ، فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر، سواء قَبِلتُ شفاعتكم، أم لا، ويُجرِي الله تعالى على لسان نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ما شاء؛ أي: من مُوجَبَات قضاء الحاجة، أو عدمها؛ أي: إنْ قضيتُها، أو لم أقضها، فهو بتقدير الله تعالى وقضائه. انتهى (١).

(وَلْيَقْضِ اللهُ)؛ أي: يُظهر الله تعالى (عَلَى لِسَانِ نَبِيهِ) - صلى الله عليه وسلم - بوحي أو إلهام (مَا أَحَبَّ")؛ أي: ما قدّره في عِلمه أنه سيكون، من إعطاء، وحرمان، أو يُجري الله على لسانه - صلى الله عليه وسلم - ما شاء من مُوجَبات قضاء الحاجة، أو عدمها.

والمعنى: أنه إذا عَرَض صاحب حاجة حاجته عليّ، فاشفعوا له، يحصل لكم أجر الشفاعة؛ أي: ثوابها، وإن لم تُقبَل، فإن قُضيت حاجة من شفعتم له فبتقدير الله تعالى، وإن لم تُقضَ فبتقدير الله تعالى أيضًا.

يعني: أن المطلوب منكم حصول الشفاعة، حتى يحصل لكم الأجر، وأما قضاء الحاجة، وعدم قضائها فموكول إلى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "وليقض الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما أحبّ" هكذا صحت الرواية هنا، "وليقض" باللام، وجزم الفعل بها، ولا يصحّ أن تكون لام كَيْ كذلك، ولا يصحّ أيضًا أن تكون لام الأمر؛ لأنَّ الله تعالى لا يؤمَر، وكأن هذه الصيغة وقعت موقع الخبر، كما قد جاء في بعض نُسخ


(١) "الفتح" ١٣/ ٥٧٤ - ٥٧٥، كتاب "الأدب" رقم (٦٠٢٧).