للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استعماله، واستطابة ريحه، واستحسانه في الجاهليّة والإسلام؛ لا يستقذره أحد من العقلاء، ولا ينهى عن استعماله أحد من العلماء، حتى قال القاضي أبو الفضل: نقل بعض أئمّتنا الإجماع على طهارته، غير أنه قد ذُكر عن العُمَرَين كراهيته، ولا يصحّ ذلك، فإن عمر - رضي الله عنه - قد قَسَم ما غُنم منه بالمدينة، وقال أبو عبد الله المازريّ: وقال قوم بنجاسته، ولم يعيّنهم، والصحيح القول بطهارته، وإن لم يكن مجمَعًا عليه؛ للأحاديث الصحيحة الدّالة على ذلك؛ إذ قد كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يستعمله، حتى إنه كان يخرج، ووبيص المسك في مفرقه، كما قالت عائشة - رضي الله عنها -، وقد تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أطيب الطيب المسك"، وغير ذلك، وقد قلنا: إن أهل الأعصار الكريمة مُطْبِقُون على استطابته، واستعماله.

فإن قيل: كيف لا يكون نجسًا، وقد قلتم: إنه دم، والدم نجش في أصله بالإجماع (١)، وإنما يعفى عن اليسير منه، لتعذّر التحرّز منه، على ما هو مُفَصَّل في الفقه؟.

فالجواب: إنَّا، وإن سلَّمنا أن أصل المسك الدم نجس، فلا نسلّم أنه بقي على أصل الدموية، فإنَّ الدم إذا تعفن تغيّر لونه، ورائحته إلى ما يستقذر، ويستخبث، فاستحال إلى فساد، وليس كذلك المسك، فإنَّه قد استحال إلى صلاح، يُستطاب، ويُستحسن، ويفضّل على أنواع كل الطيب، وهذا كاستحالة الدم لبنًا وبَيْضًا. انتهى (٢).

٣ - (ومنها): جواز الاحتراف بالحدادة.

٤ - (ومنها): مشروعيّة ضرب الْمَثَل، والعمل في الحُكم بالأشباه والنظائر، قال الإمام ابن حبّان -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه" بعد إخراج الحديث: في هذا الخبر دليلٌ على إباحة المقايسات في الدين. انتهى (٣).

٥ - (ومنها): مدح المسك المستلزم لطهارته، ومدح الصحابة، حيث كان جليسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قيل: ليس للصحابي فضيلة أفضل من فضيلة


(١) قال الجامع عفا الله عنه: دعواه الإجماع على نجاسة الدم فيه نظر لا يخفى، وقد تقدّم البحث فيه في "كتاب الطهارة"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
(٢) "المفهم" ٦/ ٦٣٤ - ٦٣٥.
(٣) "صحيح ابن حبّان" ٢/ ٣٢١.