الصحبة، ولهذا سُمُّوا بالصحابة، مع أنهم علماء، كرماء، شجعاء … إلى تمام فضائلهم.
٦ - (ومنها): بيان فضيلة صحبة الأخيار، قال بعضهم: في الحديث إرشاد إلى الأمر بمجالسة من تنتفع بمجالسته في دينك، من علم تستفيده، أو عمل يكون فيه، وأحسن خُلُق يكون فيه، وأحسن خُلُق يكون عليه، فإن الإنسان إذا جالس من تُذكِّره مجالسته الآخرة، فلا بد أن ينال منه بقَدْر ما يوفقه الله بذلك.
وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: في الحديث بيان النهي عن مجالسته من يتأذى به دينًا أو دنيا، والترغيب فيمن يُنتفع بمجالسته فيهما، قال الراغب: نَبَّه بهذا الحديث على أن حقّ الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار، ومجالستهم، فهي قد تجعل الشِّرِّير خَيِّرًا، كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شِرِّيرًا، قال الحكماء: من صَحَب خيّرًا أصاب بركته، فجليس أولياء الله لا يشقى، وإن كان كلبًا، ككلب أهل الكهف، ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء، قال عليّ - رضي الله عنه -: لا تصحب الفاجر، فإنه يُزَيّن لك فعلَه، وَيوَدُّ لو أنك مثله، وقالوا: إياك ومجالسةَ الأشرار، فإن طبعك يَسرِق منهم، وأنت لا تدري، وليس إِعْداء الجليس جليسه بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظر إليه، والنظرُ في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لِخُلُق المنظور إليه، فإن من دامت رؤيته للمسرور سُرَّ، وللمحزون حَزِن، وليس ذلك في الإنسان فقط، بل في الحيوان والنبات، فالجمل الصعب يصير ذَلُولًا بمقاربة الجمل الذلول، والذلول قد ينقلب صعبًا بمقارنة الصعاب، والريحانة الغضّة تَذبُل بمجاورة الذابلة، ولهذا يَلتقط أهل الفِلاحة الرِّمَم عن الزرع؛ لئلا تُفسدها، ومن المشاهَد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة، فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرِها وشرِّها؟ فقد قيل: سُمِّي الإنس؛ لأنه يَأنَس بما يراه خيرًا، أو شرًّا. انتهى (١).
وقال القاري -رَحِمَهُ اللهُ- في شرح الحديث ما حاصله: المعنى: فعليك بمحبة