للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصالح، ومصاحبته، وإياك ومودة السَّوْء، ومرافقته، قيل: فيه إرشاد إلى الرغبة في صحبة الصلحاء، والعلماء، ومجالستهم، فإنها تنفع في الدنيا والآخرة، وإلى الاجتناب عن صحبة الأشرار، والفساق، فإنها تضرّ دينًا ودنيا، قيل: مصاحبة الأخيار تورث الخير، ومصاحبة الأشرار تورث الشرّ، كالريح إذا هبّت على الطيب عَبَقت طيبًا، وإن مرت على النتن حملت نتنًا، وقيل: إذا جالست الحمقى عَلِق بك من حماقتهم ما لا يَعْلَق بك من العقل؛ إذا جالست العقلاء؛ لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد اقتحامًا في الطبائع.

والحاصل: أن الصحبة تؤثّر، ولذا قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} [التوبة: ١١٩]، وقال بعض العارفين: كونوا مع الله، فإن لم تقدروا أن تكونوا مع الله، فكونوا مع من يكون مع الله. انتهى (١).

ولله درّ من قال [من الرجز]:

وَصُحْبَةُ الأَخْيَارِ لِلْقَلْبِ دَوَا … يَزِيدُ فِي الْقَلْبِ نَشَاطًا وَقُوَى

وَصُحْبَةُ الأَشْرَارِ لِلْقَلْبِ عَمَى … يَزِيدُ فِي الْقَلْبِ السَّقِيمِ سَقَمَا

ومن قال [من الطويل]:

عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ … فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

فَإِنْ كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً … وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي

إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ … وَلَا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي (٢)

ومن قال [من الكامل]:

لَا تَصْحَبِ الْكَسْلَانَ فِي حَالَاتِهِ … كَمْ صَالِحٍ بِفَسَادِ آخَرَ يَفْسُدُ

عَدْوَى الْبَلِيدِ إِلَى الْجَلِيدِ سَرِيعَةٌ … كَالْجَمْرِ يُوضَعُ فِي الرَّمَادِ فَتَخْمُدُ (٣)

والله تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٤/ ٣٠٦.
(٢) "كشف الخفاء" ٢/ ٢٦٣.
(٣) من باب نصر، وسَمِع.