للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للمفعول، من الابتلاء، وقوله: (مِنَ الْبَنَاتِ) بيان مقدّم لقوله: (بِشَيْءٍ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا يفيد بحكم عمومه أن السِّتر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات، فأمَّا إذا عال زيادة على الواحدة، فيحصل له زيادة على السِّتر من النار السَّبْق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الجنة، كما جاء في الحديث الآخر، وهو قوله: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو" -وضمّ أصابعه- (١).

وفي رواية للبخاريّ: "من يلي من هذه البنات شيئًا"، قال في "الفتح": قوله: "من يلي من هذه البنات شيئًا" كذا للأكثر بتحتانية مفتوحة أوله، من الولاية، وللكشميهنيّ بموحدة مضمومة، من البلاء، وفي رواية الكشميهنيّ أيضًا: "بشيء"، وقوّاه عياض، وأيّده برواية شعيب بلفظ: "من ابتلي"، وكذا وقع في رواية معمر عند الترمذيّ.

واختُلف في المراد بالابتلاء، هل هو نفس وجودهنّ، أو ابتُلي بما يصدر منهنّ؛ وكذلك هل هو على العموم في البنات، أو المراد من اتَّصَفَ منهنّ بالحاجة إلى ما يُفعَل به؟ انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ذَكَر الاحتمالات في "الفتح"، ولم يرجّح شيئًا، والذي يظهر لي أن المراد: الابتلاء بما يصدر منهن، من القيام بتربيتهنّ، ثم تزويجهنّ، ثم ما يحصل لهنّ من مشكلات الحياة، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: إنما سمّاه ابتلاءً؛ لأن الناس يكرهونهنّ في العادة، قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)} [النحل: ٥٨] (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "من ابتلي بشيء من البنات إلخ": "ابتُلي": امتُحِن، واختُبِر. (فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-؛ أي: صانهنّ، وقام بما يُصلحهن، ونَظَر في أصلح الأحوال لهنّ، فمن فعل ذلك، وقَصَد به وجه الله تعالى، عافاه الله تعالى من النار، وباعده منها، وهو المعبَّر عنه بالسِّتر من النار، ولا شكّ في أن من لم يدخل النار دخل الجنة، وقد دلّ على ذلك قوله


(١) "المفهم" ٦/ ٦٣٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٧٩.