للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله: "الولد": يقال على الذكر والأنثى، بخلاف الابن، فإنَّه يقال على الذكر: ابن، وعلى الأنثى: ابنة، وقد يُقيَّد مطلق هذه الرواية، بقوله في الرواية الأخرى: "لم يبلغوا الحنث" كما يُقَيّد مطلق حديث أبي هريرة الماضي بقوله هنا: "فتحتسبه"، وبحديث أبي النضر السُّلميّ: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فيحتسبهم".

فقوله: "لم يبلغوا الحنث"؛ أي: التكليف، والحنث: الإثم، وإنما خصّه بهذا الحدّ؛ لأنَّ الصغير حبّه أشدّ، والشفقة عليه أعظم، وقيّده بالاحتساب؛ لِمَا قرّرناه غير مرة أن الأجور على المصائب لا تحصل إلا بالصبر، والاحتساب.

وإنما خصّ الولد بثلاثة؛ لأنَّ الثلاثة أوّل مراتب الكثرة، فتعظم المصائب، فتكثر الأجور، فأمَّا إذا زاد على الثلاثة فقد يَخِفّ أمر المصيبة الزائدة؛ لأنها كأنها صارت عادة ودَيْدنًا، كما قال المتنبي [من الكامل]:

أَنْكَرْتُ طَارِقَةَ الْحَوَادِثِ مَرَّةً … ثُمَّ اعْتَرَفْتُ بِهَا فَصَارَتْ دَيْدَنَا

وقال آخر [البسيط]:

رُوِّعْتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى مَا أُرَاعُ لَهُ … وَبِالْمَصَائِبِ فِي أَهْلِي وَجِيرَانِي

ويَحْتَمِل أن يقال: إنما لم يَذْكر ما بعد الثلاثة؛ لأنَّه من باب الأحرى والأَولى؛ إذ من المعلوم أن من كَثُرت مصائبه كثر ثوابه، فاكتفي بذلك عن ذِكره، والله تعالى أعلم (١).

(فَتَحْتَسِبَهُ) أفرد الضمير، باعتبار الميت؛ أي: تدّخر أجر ذلك الميت عند الله تعالى، قال الفيّوميّ رحمه الله: احْتَسَبَ الأجرَ على الله: ادّخره عنده، لا يرجو ثواب الدنيا، والاسم: الحِسْبَةُ، بالكسر، واحْتَسَبْتُ بالشيء: اعتددت به، قال الأصمعيّ: وفلان حَسَنُ الحِسْبَةِ في الأمر؛ أي: حَسَن التدبير، والنظر فيه، وليس هو من احتساب الأجر، فإن احْتِسَابَ الأجر فِعل لله، لا لغيره. انتهى (٢).

وقال في "المشارق": الاحتساب، والْحِسبان بالكسر، والْحِسْبة: هو


(١) "المفهم" ٦/ ٦٣٨ - ٦٣٩.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٣٥.