وقال القرطبيّ رحمه الله: وقد استَشكَل بعض الناس قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد، إلا كانوا لها حجابًا من النار"، ثم لمّا سئل عن اثنين، قال:"واثنين". ووجْهه: أنه إذا كان حُكْمُ الاثنين حكمَ الثلاثة، فلا فائدة لذِكر الثلاثة أوّلًا، وهذا إنما يصدر عمن يعتقد أن دلالة المفهوم نصّ كدلالة المنظوم، وليس الأمر كذلك، بل هي عند القائلين بها من أضعف جهات دلالات الألفاظ، وسائر وجوه الدّلالات مرجّحة عليها، كما بيّنّاه في الأصول، هذا إن قلنا: إن أسماء الأعداد لها مفهوم، فإنَّه قد اختَلَف في ذلك القائلون بالمفهوم، وألحقوا هذا النوع باللَّقب الذي لا مفهوم له باتفاق المحقّقين، ثم إن الرافع لهذا الإشكال أن يقال: إن الثواب على الأعمال إنما يُعلَم بالوحي، فيكون الله تعالى قد أوحى إلى نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بذلك في الثلاثة، ثم إنه لَمّا سئل عن الاثنين أوحى الله إليه في الاثنين بمثل ما أوحى إليه بالثلاثة، ولو سئل عن الواحد لأجاب بمثل ذلك، كما قد دلّت عليه الأحاديث المذكورة في ذلك.
ويَحْتَمِل أن يقال: إن ذلك بحَسَب شدّة وَجْد الوالدة، وقوّة صبرها، فقد لا يَبْعد أن تكون مَن فقدت واحدًا، أو اثنين أشدّ ممن فقدت ثلاثة، أو مساوية لها، فتُلحق بها في درجتها، والله تعالى أعلم (١).
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤٧/ ٦٦٧٥](٢٦٣٢)، و (البخاريّ) في "الأدب المفرد"(١٤٨)، و (النسائيّ) في "الكبرى"(٥٨٩٨)، و (الحميديّ) في "مسنده"(١٠١٩)، و (أحمد) في "مسنده"(٢/ ٢٤٦ و ٣٧٨)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٢٩٤١)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٤/ ٦٧)، والله تعالى أعلم.