فتقول العرب: ما يقيم فلان عنه إلا تحلة القَسَم؛ أي: مدّة يسيرة، وما ينام العليل إلا كتحليل الأليّة، شَبّهوا تلك المدة اليسيرة بمدة قول القائل: إن شاء الله؛ لأنه يحلل بها القَسَم، فيقول القائل: والله لا أكلم زيدًا إن شاء الله، فلا ينعقد يمينه، فالمراد: أنه إن دخل النار يكون مُكثه فيها قليلًا كمدة تحليل اليمين، ثم ينجيه الله تعالى.
١٥ - (الخامسة عشرة):
فيه على قول الجمهور دلالةٌ على العموم في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، وأن الآية تتناول المسلمين والكفار، وقال بعضهم: الخطاب في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} راجع إلى الكفار فقط، ويكون فيه الانتقال من الغَيْبة إلى الحضور، وهو رواية عن ابن عباس، وهذا الحديث يردّه، وبقية الآية صريح في الردّ عليه أيضًا بقوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)}.
١٦ - (السادسة عشرة):
اختَلَف العلماء في المراد بالورود المذكور في الآية على أقوال:
(أحدها): أن المرور على الصراط، وهو جِسْر منصوب على جهنم، حُكي عن ابن مسعود، وكعب الأحبار، وهو رواية عن ابن عباس، ويدل له ما رواه الطبرانيّ في "معجمه الكبير" عن عبد الرحمن بن بشير الأنصاريّ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، لم يَرِدْ على النار إلا عابر سبيل"؛ يعني: الجواز على الصراط.
(الثاني): أنه الوقوف عندها، حكاه النوويّ في "شرح مسلم".
(الثالث): أنهم يدخلونها حقيقةً، ولكن تكون عليهم بردًا وسلامًا، كما كانت على إبراهيم الخليل؛ حين أدخل نار النمرود، حُكي عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم -.
(الرابع): أن المراد بورودها: ما يصيبهم في الدنيا من الْحُمَّى؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحمى من فيح جهنم"، حكاه ابن بطال عن مجاهد، واستشهد بحديث أبي هريرة قال:"عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا معه مريضًا كان يتوعك، فقال: أبشر، فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن؛ لتكون حظه من نار الآخرة".