الجمهور على حَمْل الاستثناء في قوله:"إلا تحلّة القَسَم" على ظاهره، وتأوله بعضهم، قال القاضي عياض: وقد يَحْتَمِل قوله: "إلا تحلة القسم"؛ أي: لا تمسه قليلًا، ولا مثل تحلّة القسم، كما قيل في قوله: إلا الفرقدان؛ أي: ولا الفرقدان. انتهى.
وهذا المعنى لـ "إلا"، وهو كونها عاطفة بمنزلة الواو في التشريك في اللفظ والمعنى، ذَكَره الأخفش، والفراء، وأبو عبيدة، وجعلوا منه قوله تعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[البقرة: ١٥٠]، وقوله تعالى: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: ١٠، ١١]؛ أي: ولا الذين ظلموا، ولا من ظلم، وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع، وهذا المعنى إن صحّ فهو مرجوح، فالحمل على المعنى الراجح المعروف متعيِّن، والله أعلم.
١٨ - (الثامنة عشرة):
استُدِلَّ بتعليله - صلى الله عليه وسلم - دخول الآباء الجنة برحمة الأولاد، وشفاعتهم في آبائهم، على أن أولاد المسلمين في الجنة، وهو قول جمهور العلماء، وشذت الجبرية، فجعلوهم تحت المشيئة، وهذه السُّنَّة تردّ عليهم، وأجمع على ذلك من يُعْتَدّ به، وعليه يدل قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} الآية، ويستحيل أن يكون الله تعالى يغفر لآبائهم بفضل رحمته إياهم، وهم غير مرحومين.
وأما حديث عائشة -رضي الله عنها-: "تُوُفِّي صبيّ من الأنصار، فقلت له: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء، ولم يدركه"، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أو غير ذلك يا عائشة، إن الله تعالى خلق للجنة أهلًا خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم".
والجواب عنه من وجهين:
(أحدهما): لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها