للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الناس، ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب، وترضى عنه، فذلك قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)}.

قال ابن كثير رحمهُ اللهُ في "تفسيره": يُخبر تعالى أنه يَغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي تُرضي الله تعالى لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبةً، ومودةً، وهذا أمر لا بدّ منه، ولا محيد عنه. انتهى (١).

(وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا)؛ أي: كرهه، وفيه إثبات صفة البغض لله تعالى على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، (دَعَا)؛ أي: نادى الله سبحانه وتعالى (جِبْرِيلَ) عليه السَّلام (فَيَقُولُ) في ندائه: (إِنِّي أُبْغِضُ) بضمّ الهمزة مضارع أَبغض رباعيًّا، (فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ) بفتح الهمزة؛ لكونها همزة قطع، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ) عليه السَّلام (ثُمَّ يُنَادِي) جبريل عليه السَّلام (فِي أَهْلِ السَّمَاءِ) وهم الملائكة، (إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ) بقطع الهمزة، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ) بفتح الموحّدة، والمدّ: شدّة البغض، كما قال الفيّوميّ (٢). (فِي الأَرْضِ") ونحو هذا في حديث أبي أمامة عند أحمد، وفي حديث ثوبان عند الطبرانيّ: "وإن العبد يعمل بسخط الله، فيقول الله: يا جبريل إن فلانًا يستسخطني. . ." فذكر الحديث على منوال الحب أيضًا، وفيه: "فيقول جبريل: سخطة الله على فلان وفي آخره مثل ما في الحبّ: "حتى يقوله أهل السماوات السبع، ثم يهبط إلى الأرض".

والمعنى: أنه يُبغضه أهل الأرض دون أي سبب، وإنما لِمَا كتب الله عزَّ وجلَّ في قلوبهم من بُغضه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "يوضع له القبول في الأرض": يعني: بالقبول محبة قلوب أهل الذين والخير له، والرضا به، والسرور بلقائه، واستطابة ذِكره في حال غَيبته، كما أجرى الله تعالى عادته بذلك في حق الصالحين من سلف هذه الأئمة، ومشاهير الأئمة، والقول في البغض على النقيض من القول في الحبّ. انتهى (٣).


(١) "تفسير ابن كثير" ٣/ ١٤٠.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٥٦.
(٣) "المفهم" ٦/ ٦٤٤.