ويشهد له حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاريّ في "الرقاق"، ففيه: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه. . ." الحديث.
(دَعَا) وفي لفظ: نادى (جِبْرِيلَ)؛ (فَقَالَ) الله تعالى في ندائه: (إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّهُ) وفي لفظ "فأحببه" بالفاء، (قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ) عليه السَّلام (ثُمَّ يُنَادِي) جبريل (فِي السَّمَاءِ) وفي رواية: "في أهل السماء"، وفي حديث ثوبان: "أهل السماوات السبع"، (فَيَقُولُ) في ندائه: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ) بهمزة القطع، (فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ) ووقع في حديث ثوبان: "فيقول جبريل: رحمة الله على فلان، وتقوله حملة العرش". (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ) زاد الطبرانيّ في حديث ثوبان: "ثم يهبط إلى الأرض، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)} [مريم: ٩٦]"، وثبتت هذه الزيادة في آخر هذا الحديث عند الترمذيّ، وابن أبي حاتم، من طريق سهيل، عن أبيه، وقد أخرج مسلم إسنادها في الحديث التالي، ولم يَسُق اللفظ.
ومعنى "يوضع له القبول في الأرض": أنه يحصل له في قلوب أهل الأرض مودّة، ويزرع له فيها مهابة، فتحبه القلوب، وترضى عنه النفوس، من غير تودّد منه، ولا تعرّض للأسباب التي تُكتسب لها مودات القلوب، من قرابة، أو صداقة، أو اصطناع، وإنما هو منحة منه تعالى ابتداءً اختصاصًا منه لأوليائه، بكرامة خاصّة، كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب، والهيبة؛ إعظامًا له، وإجلالًا لمكانه، قال بعضهم: وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض، وينشأ عندهم هيبته، وإعزازهم له، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: ٨].
وقيل: معنى "يوضع له القبول في الأرض"؛ أي: الحب في قلوب
(١) "مسند الإمام أحمد بن حنبل" ٥/ ٢٧٩، و"المعجم الأوسط" للطبرانيّ ٢/ ٥٧.