للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المقتضي لذلك؛ ليسعى في إزالته، حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه.

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: معنى "أجناد مجندة": أصناف مصنّفة، وقيل: أجناس مختلفة، ويعني بذلك أن الأرواح، وإن اتفقت في كونها أرواحًا، لكنها تتمايز بأمور وأحوال مختلفة، تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد، وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاصّ لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد أشخاص كلِّ نوع تأْلَف نوعها، وتنفُر من مخالفها، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف، وبعضها يتنافر، وذلك بحسب أمور تتشاكل فيها، وأمور تتباعد فيها، كالأرواح المجبولة على الخير، والرحمة، والشفقة، والعدل، فتجد من جُبل على الرحمة يميل بطبعه لكل من كان فيه ذلك المعنى، ويألفه، ويسكن إليه، وينفر ممن اتّصف بنقيضه، وهكذا في الجفاء والقسوة، ولذلك قد شاع في كلام الناس قولهم: المناسبة تؤلِّف بين الأشخاص، والشكل يألف شَكْله، والْمِثْل يجذب مثله، وهذا المعنى هوأحد ما حُمل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، وعلى هذا فيكون معنى "تعارف": تناسب، وقيل: إن معنى ذلك هو ما تعرّف الله به إليها من صفاته، ودلّها عليه من لطفه، وأفعاله، فكل رُوح عَرَف من الآخر أنه تعرّف إلى الله بمثل ما تعرّف هو به إليه، وقال الخطابيّ: هو ما خلقها الله تعالى عليه من السعادة والشقاوة في المبدأ الأول.

قال القرطبيّ: وهذان القولان راجعان إلى القول الأول، فتدبّرهما.

ويُستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وَجَد من نفسه نفرة ممن له فضيلة، أو صلاح فَتَّش عن الموجب لتلك النفرة، وبَحَث عنه بنور العلم، فإنَّه ينكشف له، فيتعيّن عليه أن يسعى في إزالة ذلك، أو في تضييقه بالرياضة السياسية، والمجاهدة الشرعية، حتى يتخلّص من ذلك الوصف المذموم، فيميل لأهل الفضائل والعلوم، وكذلك القول فيما إذا وَجَد ميلًا لمن فيه شرّ، أو وصف مذموم. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ٦/ ٦٤٤ - ٦٤٦.