للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(المسألة الثالثة): قد أجاد شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى في الردّ على أحد علماء الذميين، حيث أورد أبياتًا فيها استشكالات في القَدَر، فقال [من الطويل]:

أَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ ذِمِّيُّ دِينِكُمْ … تَحَيَّرَ دُلُّوهُ بِأَوْضَحِ حُجَّةِ

إِذَا مَا قَضَى رَبِّي بِكُفْرِي بِزَعْمِكُمْ … وَلَمْ يَرْضَهُ مِنِّي فَمَا وَجْهُ حِيلَتِي

دَعَانِي وَسَدَّ الْبَابَ عَنِّي فَهَلْ إِلَى … دُخُولِي سَبِيل بَيِّنُوا لِي قَضِيَّتِي

قَضَى بِضَلَالِي ثُمَّ قَالَ ارْضَ بِالْقَضَا … فَمَا أَنَا رَاضٍ بِالَّذِي فِيهِ شِقْوَتِي

فَإِنْ كُنْتُ بِالْمَقْضِيِّ يَا قَوْمُ رَاضِيًا … فَرَبِّيَ لَا يَرْضَى بِشُؤْمِ بَلِيَّتِي

فَهَلْ لِي رِضًا مَا لَيْسَ يَرْضَاهُ سَيِّدِي … فَقَدْ حِرْتُ دُلُّونِي عَلَى كَشْفِ حَيْرَتِي

إِذَا شَاءَ رَبِّي الْكُفْرَ مِنِّي مَشِيئَةً … فَهَلْ أَنَا عَاصٍ فِي اتِّبَاعِ الْمَشِيئَةِ؟

وَهَلْ لِي اخْتِيَارٌ أَنْ أُخَالِفَ حُكْمَهُ؟ … فبِاللَّهِ فَاشْفُوا بِالْبَرَاهِينِ غُلَّتِي

فأجاب شيخ الإسلام رحمه الله تعالى مرتجلًا، فقال:

سُؤَالُكَ يَا هَذَا سُؤَالُ مُعَانِدٍ … مُخَاصِمِ رَبِّ الْعَرْشِ بَارِي الْبَرِيَّةِ

فَهَذَا سُؤَالٌ خَاصَمَ الْمَلأَ الأَعْلَى … قَدِيمًا بِهِ إِبْلِيسُ أَصْلُ الْبَلِيَّةِ

وَمَنْ يَكُ خَصْمًا لِلْمُهَيْمِنِ يَرْجِعَنْ … عَلَى أُمِّ رَأْسٍ هَاوِيًا فِي الْحَفِيرَةِ

وَيُدْعَى خُصُومُ اللَّهِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ … إِلَى النَّارِ طُرًّا مَعْشَرَ الْقَدَرِيَّةِ

سَوَاءٌ نَفَوْهُ أَو سَعَوْا لِيُخَاصِمُوا … بِهِ اللَّهَ أَو مَارَوْا بِهِ لِلشَّرِيعَةِ

وَأَصْلُ ضَلَالِ الْخَلْقِ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ … هُوَ الْخَوْضُ فِي فِعْلِ الإِلَهِ بِعِلَّةِ

فَإِنَّهُمُوا لَمْ يَفْهَمُوا حِكْمَةً لَهُ … فَصَارُوا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ

فَإِنَّ جَمِيعَ الْكَوْنِ أَوْجَبَ فِعْلَهُ … مَشِيئَةُ رَبِّ الْخَلْقِ بَارِي الْخَلِيقَةِ

وَذَاتُ إِلَهِ الْخَلْقِ وَاجِبَةٌ بِمَا … لَهَا مِنْ صِفَاتٍ وَاجِبَاتٍ قَدِيمَةِ

مَشِيئَتُهُ مَعْ عِلْمِهِ ثُمَّ قُدْرَةٍ … لَوَازِمُ ذَاتِ اللَّهِ قَاضِي الْقَضِيَّةِ

وَإِبْدَاعُهُ مَا شَاءَ مِنْ مُبْدَعَاتِهِ … بِهَا حِكْمَةٌ فِيهِ وَأَنْوَاعُ رَحْمَةِ

وَلَسْنَا إِذَا قُلْنَا جَرَتْ بمَشِيئَةٍ … مِنَ الْمُنْكِرِي آيَاتِهِ الْمُسْتَقِيمَةِ

بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الْحُكْمَ للهِ وَحْدَهُ … لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ الَّذِي فِي الشَّرِيعَةِ

هُوَ الْمَلِكُ الْمَحْمُودُ فِي كُلِّ حَالَةٍ … لَهُ الْمُلْكُ مِنْ غَيْرِ انْتِقَاصٍ بِشِرْكَةِ