بعد الانتشار، وقد قال ابن منده: إنه حديث متّصل على شرط الترمذيّ، والنسائيّ، واختلاف الألفاظ بكونه في البطن، وبكونه في الرحم لا تأثير له؛ لأنه في الرحم حقيقةً، والرحم في البطن، وقد فسَّروا قوله تعالى:{فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}[الزمر: ٦] بأن المراد؛ ظُلمة المشيمة، وظلمة الرَّحِم، وظلمة البطن، فالمشيمة في الرحم، والرحم في البطن.
(ثُمَّ يَكُونُ)؛ أي: يصير خَلْقُ أحدكم؛ أي: مادّةُ خلقه، وهي النطفة، (فِي ذَلِكَ) الرحم (عَلَقَةً) - بفتحتين -: أي: دمًا جامدًا غليظًا، وسُمّي بذلك للرطوبة التي فيه، وتَعَلُّقه بما مَرّ به، (مِثْلَ ذَلِكَ)؛ أي: مثل الزمن المذكور، وهو الأربعون.
وقال القرطبيّ رحمه الله:"ذلك" الأول إشارة إلى المحلّ الذي اجتمعت فيه النطفة، وصارت علقَةً، و"ذلك" الثاني إشارة إلى الزمان الذي هو الأربعون، وكذلك القول في قوله:"ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك"، والمضغة: قَدْر ما يَمضغه الماضغ من لحم أو غيره. انتهى (١).
وفي رواية للبخاريّ:"ثم علقةً مثل ذلك"، وفي رواية له:"ثم تكون علقة مثل ذلك"، قال في "الفتح": و"تكون" هنا بمعنى تصير؛ ومعناه: أنها تكون بتلك الصفة مدة الأربعين، ثم تنقلب إلى الصفة التي تليها، ويَحْتَمِل أن يكون المراد: تصييرها شيئًا فشيئًا، فيخالط الدم النطفةَ في الأربعين الأُولى بعد انعقادها، وامتدادها، وتجري في أجزائها شيئًا فشيئًا حتى تتكامل علقةً في أثناء الأربعين، ثم يخالطها اللحم شيئًا فشيئًا إلى أن تشتد، فتصير مضغةً، ولا تسمى علقة قبل ذلك ما دامت نطفة، وكذا ما بعد ذلك من زمان العَلَقة والمضغة.
وأما ما أخرجه أحمد من طريق أبي عبيدة قال: قال عبد الله، رَفَعه:"إن النطفة تكون في الرحم أربعين يومًا على حالها، لا تتغير" ففي سنده ضَعْف، وانقطاع، فإن كان ثابتًا حُمِل نفي التغير على تمامه؛ أي: لا تنتقل إلى وصف العلقة إلا بعد تمام الأربعين، ولا ينفي أن المنيّ يستحيل في الأربعين الأولى دمًا إلى أن يصير علقة. انتهى.