وغيرهم، والمراد بقوله تعالى:{وَتَخْشَى النَّاسَ} إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نَهَى عن تزويج نساء الأبناء، وتَزَوَّج بزوجة ابنه، فأما ما رُوي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هَوِيَ زينب امرأة زيد، وربما أَطْلق بعض الْمُجّان لفظ عَشِقَ، فهذا إنما يَصْدُر عن جاهل بعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل هذا، أو مُسْتَخِفّ بحرمته، قال الترمذيّ الحكيم في "نوادر الأصول"، وأسند إلى علي بن الحسين قوله: فعليُّ بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهرًا من الجواهر، ودرًّا من الدرر، أنه إنما عَتَب الله عليه في أنه قد أعلمه أن ستكون هذه من أزواجك، فكيف قال بعد ذلك لزيد:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وأخذتك خشية الناس أن يقولوا: تزوج امرأة ابنه، {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}؟.
وقال النحاس: قال بعض العلماء: ليس هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيئة، ألا ترى أنه لَمْ يؤمر بالتوبة، ولا بالاستغفار منه؟ وقد يكون الشيء ليس بخطيئة، إلَّا أن غيره أحسن منه، وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يَفْتَتِن الناس. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): قال أبو عبد الله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: المنعَم عليه في هذه الآية، هو زيد بن حارثة - رضي الله عنه - كما بيّناه، ورُوي أن عمه لقيه يومًا، وكان قد ورد مكة في شُغل له، فقال: ما اسمك يا غلام؟ قال: زيد، قال: ابن مَن؟ قال: ابن حارثة، قال: ابن من؟ قال: ابن شَرَاحيل، قال: في اسم أمك؟ قال: سعدي، وكنت في أخوالي طيّ، فضمه إلى صدره، وأرسل إلى أخيه وقومه، فحَضَروا، وأرادوا منه أن يقيم معهم، فقالوا: لمن أنت؟ قال: لمحمد بن عبد الله، فأتوه، وقالوا: هذا ابننا، فَرُدّه علينا، فقال: أَعْرِضُ عليه، فإن اختاركم فخذوا بيده، فبَعَث إلى زيد، وقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبي، وهذا أخي، وهذا عمي، فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: فأيَّ صاحب كنت لك؟ فبكي، وقال: لِمَ سألتني عن ذلك؟ قال: أخيّرك، فإن أحببت أن تَلْحق بهم فالحقْ، وإن أردت أن تقيم، فأنا مَن قد عرفت، فقال: ما أختار عليك أحدًا، فجذبه عمه، وقال: يا زيد اخترت العبودية على أبيك وعمك؟ فقال: إي والله،