مخالفة مُتَعلَّق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به، والله أعلم.
وروى أحمد، ومسلم، والنسائيّ، من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: لَمّا انقضت عدة زينب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد:"اذكرها عليّ"، قال: فانطلقتُ، فقلت: يا زينب أبشري، أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعةٍ شيئًا، حتى أُؤَامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل عليها بغير إذن.
وهذا أيضًا من أبلغ ما وقع في ذلك، وهو أن يكون الذي كان زَوْجُها هو الخاطبَ؛ لئلا يَظُنَّ أحدٌ أن ذلك وقع قهرًا بغير رضاه.
وفيه أيضًا اختبار ما كان عنده منها، هل بقي منه شيء أم لا؟.
وفيه استحباب فعل المرأة الاستخارة، ودعائها عند الْخِطبة قبل الإجابة، وأن من وَكَل أمره إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ - يسر الله له ما هو الأحظ له، والأنفع دنيا وأخرى. انتهى ما في "الفتح"(١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ورُوي عن علي بن الحسين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدًا يطلق زينب، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها، فلما تشكَّى زيد للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - خُلُق زينب، وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريد طلاقها، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جهة الأدب، والوصية: اتق الله في قولك، وأمسك عليك زوجك، وهو يعلم أنه سيفارقها، ويتزوجها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يُرِد أن يأمره بالطلاق لِمَا عَلِم أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلحقه قولٌ من الناس في أن يتزوج زينبَ بعد زيد، وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر، من أن خشي الناسَ في شيء قد أباحه الله له، بأن قال: أمسك مع علمه بأنه يطلق، وأعلمه أن الله أحقّ بالخشية، أي في كلّ حال.
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين، والعلماء الراسخين، كالزهريّ، والقاضي بكر بن العلاء القشيريّ، والقاضي أبي بكر بن العربيّ،