فكَرِهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فزوّجها إياه، ثم أعلم الله - عَزَّ وَجَلَّ - نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بعدُ أنَّها من أزواجه، فكان يستحي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون من الناس، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك عليه زوجه، وأن يَتَّقِيَ الله، وكان يَخْشَى الناس أن يعيبوا عليه، ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وقد كان قد تبنى زيدًا.
وعند ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن زيد، عن عليّ بن الحسين بن عليّ، قال: أعلم الله نبيّه - صلى الله عليه وسلم - أن زينب ستكون من أزواجه، قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها إليه، وقال له: اتق الله، وأمسك عليك زوجك، قال الله: قد أخبرتك أني مزوجكها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
قال الحافظ: وقد أطنب الترمذيّ الحكيم في تحسين هذه الرواية، وقال: إنها من جواهر العلم المكنون، وكأنه لَمْ يقف على تفسير السديّ الذي أوردته، وهو أوضح سياقًا وأصح إسنادًا إليه؛ لضعف عليّ بن زيد بن جُدْعان.
ورَوَى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء زيد بن حارثة، فقال: يا رسول الله، إن زينب اشتدّ عليّ لسانها، وأنا أريد أن أطلقها، فقال له: اتق الله، وأمسك عليك زوجك، قال: والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أن يُطَلِّقها، وَيخشَى قالة الناس. ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم، والطبريّ، ونقلها كثير من المفسرين، لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته منها هو المعتمد.
والحاصل أن الذي كان يخفيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو إخبار الله إياه أنَّها ستصير زوجته، والذي كان يَحْمِله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه، من أحكام التبني، بأمر لا أَبْلَغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يُدْعَى ابنًا، ووقوع ذلك من إمام المسلمين؛ ليكون أدعى لقبولهم، وإنما وقع الخبط في تأويل متعلق الخشية والله أعلم.
وقال ابن العربيّ: إنما قال - صلى الله عليه وسلم - لزيد: أمسك عليك زوجك اختبارًا لما عنده من الرغبة فيها، أو عنها، فلما أطلعه زيد على ما عنده منها من النَّفْرَة التي نشأت من تعاظمها عليه، وبَذَاءة لسانها، أَذِنَ له في طلاقها، وليس في