القلب، وقال قوم: أول ما يُخلق منه السُّرّة؛ لأن حاجته من الغذاء أشدّ من حاجته إلى آلات قواه، فإن من السرّة ينبعث الغذاء، والحُجُب التي على الجنين في السرّة كأنها مربوط بعضها ببعض، والسرّة في وسطها، ومنها يتنفس الجنين، ويتربى، وينجذب غذاؤه منها.
(ثم يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ) المراد مثل مدة الزمان المذكور في الاستحالة، والمضغة: قطعة اللحم، سُمِّيت بذلك؛ لأنها قَدْر ما يمضغ الماضغ.
(ثم يُرْسَلُ الْمَلَكُ) وفي بعض النسخ: "ثم يرسل الله الملك"، وفي رواية للبخاريّ:"ثم يبعث الله ملكًا"؛ أي: يبعث الله إليه الملَك في الطور الرابع حينما يتكامل بنيانه، وتتشكّل أعضاؤه، فيعيّن، ويُنقش فيه ما يليق به من الأعمال والأعمار والأرزاق حسبما اقتضته حكمته، وسبقت كلمته، فمن وجده مستعدًّا لقبول الحقّ واتّباعه، ورآه أهلًا للخير، وأسباب الصلاح، متوجّهًا إليه أثبته في عِداد السعداء، وكَتب له أعمالًا صالحةً تناسب ذلك، ومن وجده جافيًا، قاسي القلب، ضاريًا بالطبع، متنائيًا عن الحقّ أَثبت ذِكره في ديوان الأشقياء الهالكين، وكَتب له ما يُتَوَقَّع منه من الشرور والمعاصي، هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يَقتضي تغيّر ذلك، وإن علم من ذلك شيئًا كتب له أوائل أمره وأواخره، وحكم عليه وفقَ ما يَتمّ به عمله؛ فإن مِلاك العمل خواتمه، وهو الذي يسبق إليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنّة. انتهى كلام الطيبيّ رحمه الله (١).
وقال في "الفتح": اللام في "الملَك" للعهد، والمراد به: عهدٌ مخصوص، وهو جنس الملائكة الموكلين بالأرحام، كما ثبت في رواية حذيفة بن أَسِيد من رواية ربيعة بن كلثوم:"أن ملكًا موكلًا بالرحم"، ومن رواية عكرمة بن خالد:"ثم يتسوَّر عليها الملَك الذي يُخَلِّقها" وهو بتشديد اللام.
وفي رواية أبي الزبير عند الفريابيّ:"أتى ملك الأرحام" وأصله عند مسلم، لكن بلفظ:"بعث الله ملكًا".