للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي حديث ابن عمر: "إذا أراد الله أن يخلق النطفة قال ملك الأرحام"، وفي حديث أنس: "وكَل الله بالرحم ملكًا".

وقال الكرمانيّ (١): إذا ثبت أن المراد بالملَك مَن جُعل إليه أمر تلك الرحم، فكيف يُبعَث، أو يرسل؟ وأجاب بأن المراد: أن الذي يُبعث بالكلمات غير الملَك الموكل بالرحم الذي يقول: يا رب نطفة إلخ، ثم قال: ويَحْتَمِل أن يكون المراد بالبعث: أنه يؤمر بذلك.

قال الحافظ: وهو الذي ينبغي أن يُعَوَّل عليه، وبه جزم القاضي عياض (٢) وغيره.

وقد وقع في رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الأعمش: "إذا استقرت النطفة في الرحم أخذها الملَك بكفه، فقال: أيْ رب أذَكَر أو أنثى؟. . ." الحديث، وفيه: "فيقال: انطلق إلى أم الكتاب، فإنك تجد قصة هذه النطفة، فينطلق، فيجد ذلك"، فينبغي أن يفسَّر الإرسال المذكور بذلك.

[تنبيه]: قال في "الفتح": اختُلف في أول ما يتشكل من أعضاء الجنين، فقيل: قلبه؛ لأنه الأساس، وهو معدن الحركة الغريزية، وقيل: الدماغ؛ لأنه مجمع الحواسّ، ومنه ينبعث، وقيل: الكبد؛ لأن فيه النموّ والاغتذاء الذي هو قوام البدن، ورجّحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعيّ؛ لأن النموّ هو المطلوب أولًا، ولا حاجة له حينئذ إلى حسّ ولا حركة إرادية؛ لأنه حينئذ بمنزلة النبات، وإنما يكون له قوّة الحسّ، والإرادة عند تعلق النفس به، فيقدَّم الكبد، ثم القلب، ثم الدماغ. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: إن الاختلاف في مثل هذا مما لا ينبغي؛ إذ لا فائدة فيه، ولا نصّ يُعتمد عليه، فلا ينبغي الخوض في مثله، فيا ليت أهل العلم لم يشتغلوا بمثله، ويضيّعوا أوقاتهم فيما لا يعنيهم، والله المستعان، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

(فَيَنْفُح فِيهِ الرُّوحَ) ظاهر هذه الرواية أن نَفْخ الروح قبل الكتابة، ورواية


(١) "شرح البخاريّ" للكرمانيّ ٢٣/ ٧٣.
(٢) "إكمال المعلم" ٨/ ١٢٧.
(٣) "الفتح" ١٥/ ١٩٤.