آدم بن أبي إياس عند البخاريّ صريحة في تأخير النفخ؛ للتعبير بقوله:"ثم"، ورواية مسلم هذه محتملة، فتُردّ إلى الصريحة؛ لأن الواو لا ترتِّب، فيجوز أن تكون معطوفة على الجملة التي تليها، وأن تكون معطوفة على جملة الكلام المتقدّم؛ أي: يُجمع خلقه في هذه الأطوار، ويؤمر الملَك بالكتب، وتوسَّط قوله:"ينفخ فيه الروح" بين الْجُمَل، فيكون من ترتيب الخبر على الخبر، لا من ترتيب الأفعال المخبَر عنها.
ونقل ابن الزملكانيّ عن ابن الحاجب في الجواب عن ذلك؛ أن العرب إذا عَبَّرت عن أمر بعدة أمور متعددة، ولبعضها تعلّق بالأول حَسُن تقديمه لفظًا على البقية، وإن كان بعضها متقدمًا عليه وجودًا، وحَسُن هنا؛ لأن القصد ترتيب الخلق الذي سيق الكلام لأجله.
وقال عياض: اختَلَفت ألفاظ هذا الحديث في مواضع، ولم يُختلف أن نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يومًا، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامس، وهذا موجود بالمشاهدة، وعليه يعوّل فيما يُحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع، وغير ذلك بحركة الجنين في الجوف، وقد قيل: إنه الحكمة في عدّة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وهو الدخول في الخامس، وزيادة حذيفة بن أسيد مُشْعِرة بأن الملَك لا يأتي لرأس الأربعين، بل بعدها، فيكون مجموع ذلك أربعة أشهر وعشرًا، وهو مصرَّح به في حديث ابن عباس:"إذا وقعت النطفة في الرحم، مكثت أربعة أشهر وعشرًا، ثم ينفخ فيها الروح". وما أشار إليه من عدة الوفاة جاء صريحًا عن سعيد بن المسيِّب، فأخرج الطبريّ عنه أنه سئل عن عدّة الوفاة، فقيل له: ما بال العشرة بعد الأربعة أشهر؟ فقال: يُنفخ فيها الروح.
وقد تمسَّك به من قال كالأوزاعيّ وإسحاق: إن عدة أم الولد مثل عدة الحرّة، وهو قويّ؛ لأن الغرض استبراء الرحم، فلا فرق فيه بين الحرة والأمة، فيكون معنى قوله:"ثم يُرسل إليه الملك"؛ أي: لتصويره، وتخليقه، وكتابة ما يتعلق به، فينفخ فيه الروح إثر ذلك، كما دلت عليه رواية البخاريّ وغيره.
ووقع في حديث عليّ بن عبد الله عند ابن أبي حاتم: "إذا تمَّت للنطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملَكًا، فينفخ فيها الروح، فذلك قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ