الملك على التعدد، فمرة في ابتداء الأربعين الثانية، وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح، وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الأربعين الثانية:"فصوّرها"، فإن ظاهر حديث ابن مسعود أن التصوير إنما يقع بعد أن تصير مُضغة، فيُحمل الأول على أن المراد: أنه يصوّرها لفظًا وكَتْبًا لا فعلًا؛ أي: يذكر كيفية تصويرها ويكتبها، بدليل أن جَعْلها ذكرًا أو أنثى إنما يكون عند المضغة.
قال الحافظ: وقد نوزع في أن التصوير حقيقةً إنما يقع في الأربعين الثالثة، بأنه شوهد في كثير من الأجنة التصوير في الأربعين الثانية، وتمييز الذكر على الأنثى، فعلى هذا فيحتمل أن يقال: أول ما يبتدي به الملَك تصوير ذلك لفظًا وكَتْبًا، ثم يشرع فيه فعلًا عند استكمال العَلَقة، ففي بعض الأجنة يتقدم ذلك، وفي بعضها يتأخر، ولكن بقي في حديث حُذيفة بن أسيد أنه ذَكَر العظم واللحم، وذلك لا يكون إلا بعد أربعين العلقة، فيقوى ما قال عياض ومن تبعه.
وقال بعضهم: يَحْتَمِل أن يكون الملَك عند انتهاء الأربعين الأُولى يَقْسِم النطفة إذا صارت عَلَقَة إلى أجزاء بحسب الأعضاء، أو يَقسِم بعضها إلى جلد، وبعضها إلى لحم، وبعضها إلى عظم، فيقدّر ذلك كله قبل وجوده، ثم يتهيأ ذلك في آخر الأربعين الثانية، ويتكامل في الأربعين الثالثة.
وقال بعضهم: معنى حديث ابن مسعود أن النطفة يغلب عليها وصف المني في الأربعين الأُولى، ووصف العلقة في الأربعين الثانية، ووصف المضغة في الأربعين الثالثة، ولا ينافي ذلك أن يتقدم تصويره، والراجح أن التصوير إنما يقع في الأربعين الثالثة.
وقد أخرج الطبري من طريق السُّدِّيّ في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران: ٦] قال عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وذكر أسانيد أخرى قالوا:"إذا وقعت النطفة في الرحم، طارت في الجسد أربعين يومًا، ثم تكون عَلَقة أربعين يومًا، ثم تكون مضغة أربعين يومًا، فإذا أراد الله أن يخلقها بعث ملَكًا فصوَّرها كما يؤمر"، ويؤيده حديث أنس عند البخاريّ حيث قال بعد ذِكر النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة:"فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أيْ رب أذكر أم أنثى؟. . ." الحديث.