ومال بعض الشراح المتأخرين إلى الأخذ بما دل عليه حديث حُذيفة بن أُسيد من أن التصوير والتخليق يقع في أواخر الأربعين الثانية حقيقةً، قال: وليس في حديث ابن مسعود ما يدفعه، واستند إلى قول بعض الأطباء: إن المنيّ إذا حصل في الرحم حصل له زبدية، ورغوة في ستة أيام أو سبعة من غير استمداد من الرحم، ثم يستمد من الرحم، ويبتدئ فيه المخطوط بعد ثلاثة أيام أو نحوها، ثم في الخامس عشر ينفذ الدم إلى الجميع، فيصير عَلَقة، ثم تتميز الأعضاء، وتمتد رطوبة النخاع، وينفصل الرأس عن المنكبين، والأطراف عن الأصابع تمييزًا يظهر في بعض، ويخفى في بعض، وينتهي ذلك إلى ثلاثين يومًا في الأقل، وخمسة وأربعين في الأكثر، لكن لا يوجد سِقْط ذَكَر قبل ثلاثين، ولا أنثى قبل خمسة وأربعين، قال: فيكون قوله: "فيكتب" معطوفًا على قوله: "يُجمَع"، وأما قوله:"ثم يكون علقة مثل ذلك"، فهو من تمام الكلام الأول، وليس المراد أن الكتابة لا تقع إلا عند انتهاء الأطوار الثلاثة، فيُحمل على أنه من ترتيب الإخبار، لا من ترتيب المخبَر به، ويحتمل أن يكون ذلك من تصرّف الرواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه.
قال الحافظ: كذا قال، والحمل على ظاهر الأخبار أَولى، وغالب ما نُقِل عن هؤلاء دَعَاوى لا دلالة عليها.
قال ابن العربي رحمه الله: الحكمة في كون الملك يكتب ذلك، كونه قابلًا للنَّسخ، والمحو، والإثبات، بخلاف ما كتبه الله تعالى، فإنه لا يتغير. انتهى (١).
(فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ) وفي رواية للبخاريّ: "فوالله إن أحدكم"، وفي رواية آدم:"فإن أحدكم"، ومثله لأبي داود عن شعبة وسفيان جميعًا، وفي رواية أبي الأحوص:"فإن الرجل منكم ليعمل"، ومثله في رواية حفص دون قوله:"منكم"، وفي رواية ابن ماجه:"فوالذي نفسي بيده"، وفي رواية الترمذي وغيره:"فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل"، لكن وقع عند أبي عوانة وأبي نعيم في "مستخرجيهما" من طريق يحيى القطان، عن