للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لـ "شيءٌ"، فيكون القضاء والقدر شيئًا واحدًا، وأن تكون ابتدائيّة متعلّقةً بـ "قُضِيَ"؛ أي: قُضي عليهم لأجل قَدَر سبق، وقضاء نشأ، وابتدئ من قدر، فيكون القدر سابقًا على القضاء.

وقال في "النهاية": المراد بالقدر: التقدير، وبالقضاء: الْخَلق، كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: ١٢]؛ أي: خلقهنّ، فالقضاء والقدر أمران متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأنَّ أحدهما وهو القدر بمنزلة الأساس، والآخر وهو القضاء بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء، ونَقْضه. انتهى (١).

وقال الراغب الأصبهانيّ: القضاء من الله تعالى أخصّ من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، والقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل، والقطع، وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المعدّ للكيل، والقضاء بمنزلة الكيل، ولهذا لمّا قال أبو عبيدة لعمر -رضي الله عنهما- لمّا أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفِرّ من القضاء؟ قال: أفِرّ من قضاء الله إلى قَدَر الله؛ تنبيهًا أن القدر ما لَمْ يكن قضاءً، فمرجوّ أن يدفعه الله، فأما إذا قُضي فلا مَدْفَع له، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٢١]، وقوله: {حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٧١]، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: ٢١٠]؛ أي: فُصل؛ تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه. انتهى (٢).

وقال بعضهم: القدر كتقدير النقّاش الصورةَ في ذهنه، والقضاء كرسمه تلك الصورة للتلميذ بالأسرب، ووضْعُ التلميذ الصبغ عليها متبعًا لرسم الأستاذ هو الكسب، والاختيار، والتلميذ في اختياره لا يخرج عن رسم الأستاذ، كذلك العبد في اختياره لا يمكنه الخروج عن القضاء والقدر. انتهى (٣).

(أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ) ببناء الفعل للمفعول، قال الطيبيّ: كذا في "صحيح مسلم"، و"كتاب الحميديّ"، و"جامع الأصول"، ووقع في نُسخ "المصابيح": "أم فيما يَسْتَقْبِلون؟ "، قال: على كلتا الروايتين ليس السؤال عن تعيين أحد


(١) "النهاية في غريب الأثر" ص ٧٥٩.
(٢) "مفردات ألفاظ القرآن" ص ٦٧٥ - ٦٧٦.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٤١.