للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمرين؛ إذ الجواب -وهو قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ--: "لا، بل إلخ" غير مطابق له، وإذا تقرّر هذا فـ "أم" منقطعة، و"أو" بمعنى "بل"، وتحريره أن السائل لَمَّا رأى الرسل يأمرون أممهم، وينهونهم اعتَقَد أن الأمر أُنُفٌ، كما زعمت المعتزلة، فسأل أَوَّلًا عن الأمر أهو شيء مقدَّر؟ ثم بدا له، وأضرب عن ذلك، واستأنف، فقال: أهو واقع فيما يُستقبلون به؟، والهمزة للتقرير، فلذلك نفى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أثبته، وقرّره، وأكّده بـ "بل"، ولو كان السؤال عن التعيين لقال: أشيء قُضي عليهم، أو شيء يستقبلونه بالتكلّم؟ بل غيّر العبارة، وعدل إلى الغَيبة، وعمّم الأمم كلّها، وأنبياءهم، فدلّ ذلك على صحّة ما قلناه، من إضرابه عن السؤال الأول إلى الثاني. انتهى (١).

وقوله: (مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ)؛ أي: من الأمر الذي جاءهم النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،، وهو بيان لـ "ما" من قوله: "فيما يُستقبلون"، (وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟) فلزمهم العمل به، قال أبو الأسود: (فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى عَلَيْهِمْ، قَالَ) أبو الأسود: (فَقَالَ) عمران -رضي الله عنه-: (أفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا؟)؛ أي: إذا قلت: إن ذلك العمل الذي يكدحون فيه أمرٌ قُضي، وقُدّر عليهم، ولا بدّ لهم منه، فهم مجبرون عليه، فكيف يعذّبهم عليه، ألا يكون ذلك ظلمًا لهم؟.

فقوله: "أفلا يكون ظلمًا" هكذا وقع في نُسخ مسلم، التي بين أيدينا، ووقع في مختصر القرطبيّ بلفظ: "فلا يكون ظلمًا" بغير همزة، فقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: كذا الرواية بغير ألف استفهام، وهي مرادة؛ إذ بالاستفهام حصل فزع المسؤول، وبه صحّ أن يكون ما أتى به من قوله: "كل شيء خَلْق الله، ومِلْك يده. . ." إلى آخره جوابًا عما سأله عنه، ولو لَمْ يكن الاستفهام مرادًا لكان الكلام نفيًا للظلم، وهو صحيحٌ وحقّ، ولا يُفزع من ذلك، ولا يستدعي جوابًا.

وبيان ما سأله عنه أنه لَمّا تقرّر عنده أن ما يعمل الناس فيه شيء قُضي به عليهم، ولا بُدّ لهم منه، فكأنهم يلجؤون إليه، فكيف يعاقَبون على ذلك؟ فعقابهم على ذلك ظلم، وهذه من شُبَه القدرية المبنيّة على التحسين والتقبيح،


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٤١.