للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد أجاب عن ذلك أبو الأسود، وأحسن في الجواب، ومقتضى الجواب: أن الظلم لا يُتصوّر من الله تعالى، فإنَّ الكل خَلْقه، وملكه، لا حَجْر عليه، ولا حكم، فلا يتصوّر في حقّه الظلم؛ لاستحالة شرطه، على ما بيّنّا غير مرّة، ثم عَضَد بقوله: لا يُسأل عما يفعل، وهم يُسألون، ولَمّا سَمِع عمران هذا الجواب تحقّق أنه قد وُفِّق للحقّ، وأصاب عين الصواب، فاستحسن ذلك منه، وأخبره أنه إنما امتحنه بذلك السؤال؛ ليختبر عقله، وليستخرج علمه، ثم أفاده الحديث المذكور، ومعناه قد تقدّم الكلام عليه. انتهى (١).

(قَالَ) أبو الأسود: (فَفَزِعْتُ) بكسر الزاي، من باب تَعِب، (مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: كُلُّ شَيْءٍ) مبتدأ خبره قوله: (خَلْقُ اللهِ)؛ أي: مخلوقه، (وَمِلْكُ يَدِهِ)؛ أي: مملوك له، وتحت تصرّفه يفعل فيه ما يشاء، (فَلَا يُسْأَلُ) بالبناء للمفعول؛ أي: لا أحد يسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- (عَمَّا يَفْعَلُ) في عباده من خير، أو شرّ، (وَهُمْ)؛ أي: العباد (يُسْأَلُونَ)؛ أي: يسألهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- عما فعلوه، ولقد أحسن أبو الأسود -رَحِمَهُ اللهُ- في الجواب، ومقتضى جوابه أن الظلم لا يُتصوّر من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فإن الكلّ خَلْقه، وملكه، لا حجر عليه أن يفعل فيهم ما يشاء، فلا يُتصوّر في حقّه الظلم؛ لأنَّ الظلم التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، وهم ملكه، ثمّ عضد ذلك بقوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣]، ولما سمع عمران -رضي الله عنه- هذا الجواب منه أعجبه، واستحسنه منه، وترحّم عليه، كما قال: (فَقَالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللهُ) وأخبره أنه إنما سأله امتحانًا له؛ ليختبر ما عنده من عِلم هذا الباب، فقال: (إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ، إِلَّا لأَحْزُرَ) بتقديم الزاي على الراء، من بابي ضرب، ونصر؛ أي: لأقدّر، وأمتحن (عَقْلَكَ)؛ أي: فهمك، ومعرفتك بالشيء، قال في "القاموس"، و"شرحه": العَقْل: العِلم، وعليه اقتصرَ كثيرون، وفي "العُباب": العَقْل: الحِجْرُ، والنُّهْيَة، ومثلُه في "الصِّحاح"، وفي "المُحكَم": العَقْل: ضِدُّ الْحُمْق، أو هو العِلمُ بصفاتِ الأشياءِ، من حُسنِها وقُبحِها، وكمالِها ونُقصانِها، أو هو العِلمُ بخيرِ الخَيرَيْن، وشَرِّ الشَّرَّيْن، أو مُطلَقٌ لأمورٍ، أو لقُوَّةٍ بها يكون التَّمييزُ بين القُبحِ والحُسن،


(١) "المفهم" ٦/ ٦٦٢.