للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قدر الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن شَرَرَةً طارت، فأحرقت الكعبة، فقال آخر: ليس من قدر الله أن يُحرق الكعبة.

قال أبو عمر: قد أكثر أهل الحديث من تخريج الآثار في هذا الباب، وأكثر المتكلمون فيه من الكلام والجدال، وأما أهل السُّنَّة فمجتمعون على الإيمان بالقدر، على ما جاء في هذه الآثار، ومثله من ذلك، وعلى اعتقاد معانيها، وتَرْك المجادلة فيها.

ثم أخرج بسنده عن حسن بن عليّ قال: رُفع الكتاب، وجَفّ القلم، وأمور تقضى في كتاب قد خلا، وأخرج عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: أمَا والله لو كُشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد، وروى حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد قال: كان الحسن إذا قرأ هذه الآية: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: ٣٢] قال: علم الله -عَزَّ وَجَلَّ- كل نفس ما هي عاملة، وإلى ما هي صائرة، وروى أبو حاتم السجستانيّ عن الأصمعيّ قال: سألت أعرابيًّا عن القدر، فقال: ذلك علم اختصمت فيه الظنون، وتغالب فيه المختلفون، والواجب علينا أن نرُدّ ما أشكل علينا مَن حُكمه إلى ما سبق فيه مِن عِلمه.

قال أبو عمر: أحسن ما رأيت رجزًا في معنى القدر قول ذي النون إبراهيم الإخميني:

قَدَّرَ مَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ … وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَى عِلْمِ غَيْبِهِ بَشَرَا

وَيَرَى مِنَ الْعِبَادِ مُنْفَرِدًا … مُحْتَجِبًا فِي السَّمَاءِ لَيْسَ يُرَى

ثُمَّ جَرَى بِالَّذِي قَضَى قَلَمٌ … أَجْرَاهُ فِي اللَّوْحِ رَبُّنَا فَجَرَى

لَا خَيْرَ فِي كَثْرَةِ الْجِدَالِ وَلَا … فِي مَنْ تَعَدَّى فَأَنْكَرَ الْقَدَرَا

مَنْ يَهْدِهِ اللهُ لَنْ يَضِلَّ وَمَنْ … يُضْلِلْ فَلَنْ يَهْتَدِي وَقَدْ خَسِرَا

دَعْوَتُهُ لِلْعِبَادِ شَامِلَةٌ … وَخَصَّ بِالْخَيْرِ مِنْهُمْ نَفَرَا

قال أبو عمر: قد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]، فرُوي عن ابن عباس: إلا ليعبدوني قال: ليقرّوا بالعبودية طوعًا وكرهًا، وقال مجاهد، وابن جريج: إلا ليعرفوني، وقال الضحاك بن مُزاحم: هي آية عظيمة عامّة في المنطق، خاصّة في