للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى، فيجب الإيمان به، قال أبو عمر بن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال العلماء والحكماء قديمًا: القدر سرّ الله، فلا تنظروا فيه، فلو شاء الله ألا يُعْصَى ما عصاه أحد، فالعباد أدقّ شأنًا، وأحقر من أن يعصوا الله إلا بما يريد، وقد روي عن الحسن أنه قال: لو شاء الله أن لا يُعْصَى ما خلق إبليس. وقال مطرِّف بن الشِّخِّير: لو كان الخير في يد أحد ما استطاع أن يجعله في قلبه، حتى يكون الله -عَزَّ وَجَلَّ- هو الذي يجعله فيه، قال: وجدت ابن آدم مُلْقًى بين يدي الله والشيطان، فإن اختاره الله إليه نجا، وإن خلّى بينه وبين الشيطان ذهب به، ولقد أحسن القائل، حيث قال:

لَيْسَ لِلَّهِ الْعَظِيمِ نِدُّ … وَهَذِهِ الأَقْدَارُ لَا تُرَدُّ

لَهُنَّ وَقْتٌ وَلَهُنَّ حَدُّ … مُؤَخَّرٌ بَعْضٌ وَبَعْضٌ نَقْدُ

وَلَيْسَ مِنْ هَذَا وَهَذَا بُدُّ … وَلَيْسَ مَحْتُومًا لِحَيٍّ خُلْدُ

وفي الحديث المرفوع: "إذا أراد الله -عَزَّ وَجَلَّ- بعبد خيرًا سلك في قلبه اليقين، والتصديق، وإذا أراد الله -عَزَّ وَجَلَّ- بعبده شرًّا سلك في قلبه الرِّيبة، والتكذيب" (١)، وقال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الحجر: ١٢، ١٣] وقال الله -عز وجل-: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥]، وقال: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: ٩٣]، وقال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: ١٥٥].

وقال الفضل الرقاشيّ لإياس بن معاوية: يا أبا واثلة ما تقول في هذا الكلام الذي أكثر الناس فيه؟ يعني: القدر، قال: إن أقررت بالعلم خُصمت، وإن أنكرت كفرت، وقال الأوزاعيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هلك عبادنا، وخيارنا في هذا الرأي؛ يعني: القدر، وسَمِع ابن عباس رجلين يختصمان في القدر، فقال: ما منكما إلا زائغ، وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد ابن الحنفية قال: أول ما تكلم به القدرية أن جاء رجل، فقال: كان من


(١) لَمْ يخرجه أبو عمر، ولا عزاه إلى مصدر، فالله أعلم بصحّته.