للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخبير، ونصدّق، ونسلّم ما جاءنا عنه على لسان نبيّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ ثبِّتنا على دينك، آمين.

(فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا) الاستفهام تقريريّ، وفي رواية يحيى بن أبي كثير: "أنت أبو الناس"، وكذا في حديث عمر، وفي رواية الشعبيّ: "أنت آدم، أبو البشر". (خَيَّبْتَنَا) بالخاء المعجمة، ثم الموحّدة، من الخيبة، والمراد به: الحرمان، وقيل: هي كـ "أغويتنا" من إطلاق الكل على البعض، والمراد: من يجوز منه وقوع المعصية، ولا مانع من حَمْله على عمومه، والمعنى: أنه لو استمرّ على تَرْك الأكل من الشجرة لَمْ يخرج منها، ولو استمرّ فيها لوُلد له فيها، وكان وَلَده سكان الجَنَّة على الدوام، فلمّا وقع الإخراج فاتَ أهل الطاعة من وَلَدِه استمرار الدوام في الجَنَّة، وإن كانوا إليها ينتقلون، وفاتَ أهل المعصية تأخر الكون في الجَنَّة مدة الدنيا، وما شاء الله من مدة العذاب في الآخرة، إما مؤقتًا في حقّ الموحدين، وإما مستمرًّا في حقّ الكفار، فهو حرمان نسبيّ (١).

(وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ) معنى: "أخرجتنا" كنت سببًا لإخراجنا جميعًا، فهو على عمومه، بخلاف رواية: "أغويتنا"، و"أهلكتنا" فهما من إطلاق الكل على البعض.

وفي رواية حميد بن عبد الرَّحمن: "أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجَنَّة"، وفي رواية عنه: "أخرجت ذريتك"، وفي رواية مالك: "أنت الذي أغويت الناس، وأخرجتهم من الجَنَّة"، ومثله في رواية همام، وكذا في رواية أبي صالح، وفي رواية محمد بن سيرين: "أشقيت" بدل "أغويت".

ومعنى "أغويت": كنت سببًا لغوَاية مَن غَوَى (٢) منهم، وهو سبب بعيد؛ إذ لو لَمْ يقع الأكل من الشجرة لَمْ يقع الإخراج من الجَنَّة، ولو لَمْ يقع الإخراج ما تسلَّط عليهم الشهوات والشيطان المسبَّب عنهما الإغواء، والغَيّ ضدّ الرَّشَد، وهو الانهماك في غير الطاعة، ويُطْلق أيضًا على مجرد الخطأ، يقال: غَوَى؛ أي: أخطأ صواب ما أُمر به.


(١) "الفتح" ١٥/ ٢٣٥.
(٢) من باب ضرب: انهمك في الجهل، وهو خلاف الرشد. اهـ. "المصباح" ٢/ ٤٥٧.