سيرين:"التقى آدم وموسى"، وفي رواية عمار والشعبيّ:"لقي آدم موسى"، وفي حديث عمر:"لقي موسى آدم"، كذا عند أبي عوانة، وأما أبو داود فلفظه:"قال موسى: يا رب أرني آدم".
[تنبيه]: قد اختَلَف العلماء في وقت هذا التحاجّ، فقيل: يَحْتَمِل أنه في زمان موسى، فأحيا الله له آدم -عَلَيْهِ السَّلَام- معجزةً له، فكلَّمه، أو كُشف له عن قبره، فتحدثا، أو أراه الله روحه، كما أرى النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج أرواح الأنبياء، أو أراه الله له في المنام، ورؤيا الأنبياء وحي، ولو كان يقع في بعضها ما يقبل التعبير، كما في قصّة الذبيح، أو كان ذلك بعد وفاة موسى، فالتقيا في البرزخ، أولَ ما مات موسى، فالتقت أرواحهما في السماء، وبذلك جزم ابن عبد البرّ، والقابسيّ، وقد وقع في حديث عمر -رضي الله عنه-: لَمّا قال موسى: أنت آدم، قال له: من أنت؟ قال: أنا موسى، وأن ذلك لم يقع بعدُ، وإنما يقع في الآخرة، والتعبير عنه في الحديث بلفظ الماضي؛ لتحقُّق وقوعه.
وذكر ابن الجوزيّ احتمال التقائهما في البرزخ، واحتمال أن يكون ذلك ضَرْبُ مَثَلٍ، والمعنى: لو اجتمعا لقالا ذلك، وخُصَّ موسى بالذِّكْر؛ لكونه أول نبي بُعِث بالتكاليف الشديدة، قال: وهذا وإن احْتَمَل، لكن الأول أَولي، قال: وهذا مما يجب الإيمان به؛ لثبوته عن خبر الصادق، وإن لم يُطَّلَع على كيفية الحال، وليس هو بأول ما يجب علينا الإيمان به، وإن لم نَقِف على حقيقة معناه، كعذاب القبر، ونعيمه، ومتى ضاقت الحيل في كشف المشكلات لم يبق إلا التسليم.
وقال ابن عبد البرّ: مِثْلُ هذا عندي يجب فيه التسليم، ولا يوقف فيه على التحقيق؛ لأنا لَمْ نؤتَ من جنس هذا العلم إلا قليلًا. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: ما أحسن قول ابن الجوزيّ، وابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- في هذا، وأجمله؛ فإن الواجب علينا في مثل هذا الإيمان به، وعدم الخوض في كونه متى كان؟، وأين كان؟، ولم كان؟، فكلّ هذه نكلها إلى العالم
(١) "الفتح" ١٥/ ٢٣٢ - ٢٣٣، كتاب "القدر" رقم (٦٦١٤).