قَطْع النظر عن الوسائط والاكتساب، وإنما كانت في العالم العلويّ عند مُلتقى الأرواح.
ومنها: أن اللائمة كانت بعد سقوط الذنب، ووجوب المغفرة.
قال: أقول: -والعلم عند الله- مذهب الجبرية إثبات التقدير لله تعالى، ونفي القدرة عن العبد أصلًا، ومذهب المعتزلة بخلافه، وكلا الفريقين من الإفراط والتفريط على شفا جُرُف هَارٍ، والطريق المستقيم القصد بين الأمرين، كما هو مذهب أهل السُّنَّة؛ إذ لا يَقْدر أحد أن يُسقط الأصلَ الذي هو القدر، ولا أن يُبطل الكسب الذي هو السبب، فلما جعل موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- مساق كلامه وقصّته إلى الثاني بأن صَدّر الجملة بحرف الإنكار والتعجب، وصَرّح باسم آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-، ووصفه بصفات أربع، كل واحدة منها مستقلة في علّية عدم ارتكابه الخطيئة، ثم جاء بكلمة الاستبعاد في قوله:"ثم أَهبطتَ"، فأسند الإهباط إليه على الحقيقة، والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو المهبط في الحقيقة؛ لقوله تعالى:{قُلْنَا اهْبِطُوا} الآية [البقرة: ٣٨] وقَرَن الإهباط بالأرض، والإهباط لا يكون إلا إليها؛ ليُؤْذن بسفالتها التي تورث الخساسة والرذالة، كما قال الله تعالى:{وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} الآية [الأعراف: ١٧٦]، بل الغرض الأول من ذلك الإنكار البليغ هذا لقوله:"ثم أهبطت الناس"، كأنه -عَلَيْهِ السَّلَام- قال: ما أبعد هذه السفالة عن تلك المعالي والمناصب، فأجاب عنه -عَلَيْهِ السَّلَام- بما يقابلها، بل أبلغ، من تصدير الجملة بالهمزة، وتصريح باسم موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-، ووَصْفه بصفات أربعٍ، كلُّ واحدة مستقلة في علّية عدم الإنكار عليه، ثم رَتّب العلم الأزلي على ذلك، ثم أتى بدل كلمة الاستبعاد بهمزة الإنكار في قوله:"أفتلومني"، وحَذَف ما تقتضيه الهمزة، والفاء العاطفة من الفعل؛ أي: أتجد في التوراة هذا النصّ الجليّ، فتلومني على ذلك؟، فما أبعده من إنكار!.
وفي هذا التقرير تنبيه على تحري قصد الأمور، قال: وختم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديثَ بقوله:"فحَجَّ آدم موسى"، تنبيهًا على ما قصدناه من أن تحرّي قَصْد الأمور هو الصواب، ثم إنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ختم الحديث بقوله:"فحجّ آدم موسى" بعد افتتاحه، وبيانه بقوله:"قال موسى: أنت آدم" إلى آخر الحديث مجملًا أَوّلًا، ومفصّلًا ثانيًا، ومُعيدًا له ثالثًا؛ تنبيهًا على أن بعض أمته، من المعتزلة يُنْكر