للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديث القدر، فاهتم لذلك، وبالغ في الإرشاد (١). انتهى كلام الطيبيّ رحمه الله تعالى، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): فيما قاله أهل العلم في هذا الحديث من المباحث المفيدة المكمّلة لِمَا سبق من الفوائد:

قال الإمام أبو عمر بن عبد البر -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر، وأن الله قضى أعمال العباد، فكل أحد يصير لِمَا قُدِّر له بما سبق في علم الله، قال: وليس فيه حجة للجبرية، وإن كان في بادئ الرأي يساعدهم.

وقال الإمام الخطابي -رَحِمَهُ اللهُ- في "معالم السنن": يَحسَب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر يستلزم الجبر، وقهرَ العبد، ويَتَوَهّم أن غلبة آدم كانت من هذا الوجه، وليس كذلك، وإنما معناه الإخبار عن إثبات علم الله بما يكون من أفعال العباد، وصدورها عن تقدير سابق منه، فإن القدر اسم لِمَا صَدَرَ عن فعل القادر، وإذا كان كذلك، فقد نُفي عنهم من وراء علم الله أفعالهم، وأكسابهم، ومباشرتهم تلك الأمور عن قصد وتعمّد واختيار، فالحجة إنما تلزمهم بها، واللائمة إنما تتوجه عليها.

وجِمَاعُ القول في ذلك: أنهما أمران لا يُبَدّل أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضه.

وإنما كان موضع الحجة لآدم أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: إذ كان عَلِمَ من آدم أنه يتناول من الشجرة، ويأكل منها، فكيف يمكنه أن يردّ علم الله فيه، وأن يبطله بعد ذلك؟ وبيان هذا في قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠]، فأخبر قبل كون آدم أنه إنما خَلقه للأرض، وأنه لا يتركه في الجنة، حتى ينْقُله منها إليها، فكان تناوُله من الشجرة سببًا لإهباطه إلى الأرض التي خُلق لها، وللكون فيها خليفة، وواليًا على من فيها.

قال: وإنما أدلى آدم -عَلَيْهِ السَّلام- بالحجة على هذا المعنى، ودَفَع لائمة


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٣٢ - ٥٣٣.