موسى -عَلَيْهِ السَّلام- عن نفسه على هذا الوجه، ولذلك قال:"أتلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني؟ ".
[فإن قيل]: فعلى هذا يجب أن يسقط عنه اللوم أصلًا؟.
[قيل]: اللوم ساقط من قبل موسى؛ إذ ليس لأحد أن يُعيّر أحدًا بذنب كان منه؛ لأن الخلق كلهم تحت العبودية أكفاء سواء.
وإنما يتجه اللوم من قِبَلِ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ إذ كان قد أمره ونهاه، فخرج إلى معصيته، وباشر ما نهاه عنه، ولله الحجة البالغة -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، لا شريك له.
قال: وقول موسى -عَلَيْهِ السَّلام-، وإن كان منه في النفس شبهة، وفي ظاهره مُتَعَلَّقٌ لاحتجاجه بالسبب الذي قد جُعل أمارة لخروجه من الجنّة، فقول آدم في تعلّقه بالسبب الذي هو بمنزلة الأصل، أرجح، والْفَلَج فيه قد يقع مع المعارضة بالترجيح، كما يقع بالبرهان الذي لا يُعارض له. انتهى كلام الخطابيّ في "معالم السنن"(١).
وقال في "أعلام الحديث" نحوه مُلَخّصًا وزاد: ومعنى قوله: "فحَجّ آدم موسى" دَفَع حجته التي ألزمه اللومَ بها، قال: ولم يقع من آدم إنكار لِمَا صدر منه، بل عارضه بأمر دَفَعَ به عنه اللوم.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: ولم يتلخص من كلامه مع تطويله في الموضعين، دفعٌ للشبهة إلا في دعواه أنه ليس للآدمي أن يلوم آخر مثله على ما فَعَل ما قدّره الله عليه، وإنما يكون ذلك لله تعالى؛ لأنه هو الذي أمَره ونهاه.
وللمعترض أن يقول: وما المانع إذا كان ذلك لله، أن يباشره من تَلَقَّى عن الله من رُسُله، ومن تلقى عن رسله، ممن أُمر بالتبليغ عنهم.
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: إنما غلبه بالحجة؛ لأنه عَلِم من التوراة أن الله تاب عليه، فكان لومه له على ذلك نوع جفاء، كما يقال: ذِكر الجفاء بعد حصول الصفاء جفاء، ولأن أثر المخالفة بعد الصفح يَنمحي حتى كأنه لم يكن، فلا يصادف اللوم من اللائم حينئذ محلًّا. انتهى.
وهو محصّل ما أجاب به المازريّ وغيره من المحققين، وهو المعتمَد، والله تعالى أعلم.