(المسألة الخامسة): قد أنكر القدرية هذا الحديث؛ لأنه صريح في إثبات القدر السابق، وتقرير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لآدم -عَلَيْهِ السَّلام- على الاحتجاج به، وشهادته بأنه غلب موسى، فقالوا: لا يصحّ؛ لأن موسى -عَلَيْهِ السَّلام- لا يلوم على أمر قد تاب منه صاحبه، وقد قَتَلَ هو نفسًا لم يؤمر بقتلها، ثم قال: رب اغفر لي فغفر له، فكيف يلوم آدم على أمر قد غُفر له؟
ثانيها (١): لو ساغ اللوم على الذنب بالقدَر الذي فُرغ من كتابته على العبد، لا يصح هذا، لكان من عوتب على معصية، قد ارتكبها، فيحتج بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسدّ باب القصاص والحدود، ولاحتج به كل أحد على ما يرتكبه من الفواحش، وهذا يفضي إلى لوازم قطعية، فدل ذلك على أن هذا الحديث لا أصل له.
[والجواب]: من أوجه:
[أحدها]: أن آدم إنما احتج بالقدر على المعصية، لا المخالفة، فإن محصّل لوم موسى إنما هو على الإخراج، فكأنه قال: أنا لم أخرجكم، وإنما أخرجكم الذي رَتَّبَ الإخراج على الأكل من الشجرة، والذي رتَّب ذلك قَدَّرَه قبل أن أُخلق، فكيف تلومني على أمر ليس لي فيه نسبة إلا الأكل من الشجرة؟ والإخراج المرتب عليها ليس من فعلي.
وهذا الجواب لا يدفع شبهة الجبرية.
[ثانيها]: إنما حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- لآدم بالحجة في معنى خاص، وذلك لأنه لو كانت في المعنى العام لَمَا تقدم من الله تعالى لومه بقوله:{أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ}[الأعراف: ٢٢]، ولا واخذه بذلك، حتى أخرجه من الجنة، وأهبطه إلى الأرض، ولكن لمّا أخذ موسى في لومه، وقدّم قوله له: أنت الذي خلقك الله بيده، وأنت وأنت لِمَ فعلت كذا؟ عارضه آدم بقوله: أنت الذي اصطفاك الله، وأنت وأنت.
وحاصل جوابه: إذا كنت بهذه المنزلة، كيف يَخفَى عليك أنه لا محيد من القدر؟ وإنما وقعت الغلبة لآدم من وجهين:
(١) هكذا نسخة "الفتح": "ثانيها" وفي العبارة ركاكة، فليحرّر.