للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السماوية، فقبل السماوات لا يوجد ذلك، وإنما يرجع ذلك إلى مدّة في علم الله تعالى، لو كانت السماوات موجودة فيها لعُدِّدت بذلك العدد، وهذا نحو مما قاله المفسرون في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: ٥٤]؛ أي: في مقدار ستة أيام، ثم هذه الأيام كل يوم منها مقدار ألف سنة من سِنِي الدنيا، كما قال تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: ٤٧]، وكقوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: ٥]، هذا قول ابن عباس وغيره من سلف المفسرين على ما رواه الطبريّ في "تاريخه" عنهم.

ويَحْتَمِل أن يكون ذِكر الخمسين ألفًا جاء مجيء الإغياء في التكثير، ولم يُرِدْ عين ذلك العدد، فكأنه قال: كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق هذا العالم بآماد كثيرة، وأزمان عديدة، وهذا نحو مما قلناه في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠]، والأول أظهر، وأَولى. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: (وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ") المعنى: كان عرشه قبل أن يخلق السماوات والأرض على وجه الماء، وفيه إشارة إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم؛ لكونهما خُلقا قبل خلق السماوات والأرض، وقد روى أحمد، والترمذيّ، وصححه من حديث أبي رَزِين الْعُقيليّ مرفوعًا: أن الماء خُلق قبل العرش. وروى السّدّيّ في "تفسيره" بأسانيد متعددة: أن الله لم يخلق شيئًا مما خلق قبل الماء، وأما حديث: "أول ما خلق الله القلم"، فيُجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة؛ أي: أنه قيل له: اكتب أول ما خلق، وأما حديث: "أول ما خلق الله العقل" فليس له طريق ثابت، وعلى تقدير ثبوته، فهذا التقدير الأخير هو تأويله، واختُلف في أيهما خُلق أولًا، العرش، أو القلم؟ والأكثر على سَبْق خلق العرش، واختار ابن جرير، ومن تبعه الثان. انتهى، أفاده في "الفتح" (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ٦/ ٦٦٨ - ٦٦٩.
(٢) "مرعاة المفاتيح" ١/ ٤٥٠.