يقال: فلان في قبضتي، وفي كفي، لا يراد به أنه حالّ في كفه، بل المراد تحت قدرتي، ويقال: فلان بين إصبعي، أقلّبه كيف شئت؛ أي: إنه مني على قهره، والتصرف فيه كيف شئت، فمعنى الحديث أنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- متصرّف في قلوب عباده وغيرها، كيف شاء، لا يمتنع عليه منها شيء، ولا يفوته ما أراده، كما لا يمتنع على الإنسان ما كان بين إصبعيه، فخاطب العرب بما يفهمونه، ومَثَّله بالمعاني الحسية تأكيدًا له في نفوسهم.
[فإن قيل]: فقدرة الله تعالى واحدة، والإصبعان للتثنية؟.
فالجواب: أنه قد سبق أن هذا مجاز، واستعارةٌ، فوقع التمثيل بحسب ما اعتادوه، غير مقصود به التثنية والجمع. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا التأويل الذي ذكره النوويّ قد سبق لنا تفنيده غير مرّة، وأن الواجب في أحاديث الصفات أن يؤمَن بها، كما جاءت، وتُثبَت كما أثبتَها النصّ الصحيح الصريح، فنُثبت الأصابع ونحوها لله تعالى كما أثبتها هذا الحديث الصريح الصحيح على ما يليق بجلاله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
والحاصل: أن هذا الحديث من أحاديث الصفات التي نؤمِن بها، ونعتقد أنها حقّ من غير تعرّض للتأويل، ولا لمعرفة الكيفيّة؛ لأن الإيمان بها فرضٌ، والامتناع عن الخوض في معرفة حقائقها واجب، فالمهتدي من سلك فيها سبيل التسليم، والخائض في إدراك كيفيّتها زائغ، والمنكِر لها معطّلٌ، والمكيّف مشبّه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١].
وقد نقل الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرحه" عن شيخه أبي حفص السُّهْرورديّ -رَحِمَهُ اللهُ- أنه قال في "كتاب العقائد" له:
أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- أنه استوى على العرش، فقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، وأخبر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالنزول، وغير ذلك مما جاء من اليد، والقدم، والتعجّب، والتردّد، وكلّ ما ورد من هذا القبيل، فلا يُتصرّف فيها بتشبيه، ولا تعطيل، فلولا إخبار الله تعالى، وإخبار رسوله -صلى الله عليه وسلم- ما تجاسر عقلٌ أن يحوم حول ذلك الحمى، وتلاشى دون ذلك عقل العقلاء، ولُبّ الألبّاء. انتهى (١).