قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي نقله الطيبيّ عن شيخه هو التحقيق الحقيق بالقبول، فيا ليت الطيبيّ مشى على طريقة شيخه، ولكنه حاد، ومال عن الصراط المستقيم، فترى في شرحه يختار مذهب المؤوّلين، ويقوّيه، ويطوّل نفسه في تقريره، فلا حول ولا قوّة إلا بالله، اللَّهُمَّ اهدِنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، اللَّهُمَّ فاطرَ السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لِمَا اختُلف فيه من الحقّ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
(كَقَلْبٍ وَاحِدٍ) بيّن بهذا التشبيه أن التصرّف في تلك الأصابع سهل كسهولة التصرّف في قلب واحد، (يُصَرِّفُهُ) بتشديد الراء؛ أي: يقلّب ذلك القلب الواحد، والمراد: تلك القلوب جميعها. (حَيْثُ يَشَاءُ") وفي حديث النوّاس: "إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه"، وهذا معنى قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)} [الشمس: ٨]، فيقلّبها تارة من فجورها إلى تقواها، بأن يجعلها تقيّةً بعد أن كانت فاجرةً، ويَعْدِلها أخرى عن تقواها إلى فجورها، بأن يجعلها فاجرة بعد أن كانت تقيّةً.
قال بعضهم: إنما نَسَب تقليب القلب إلى الله تعالى إشعارًا بأن الله تعالى إنما تولّى بنفسه أمر قلوبهم، ولم يَكِله إلى أحد من ملائكته، وخصّ الرحمن بالذكر إيذانًا بأن ذلك التولّي لم يكن إلا بمحض رحمته، وفَضْل نعمته؛ كيلا يطّلع أحد غيره على سرائرهم، ولا يكتب عليهم ما في ضمائرهم. انتهى (١).
(ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ) بتشديد الراء؛ أي: مقلّبها تارة إلى الطاعة، وتارة إلى المعصية، وتارة إلى اليقظة، وتارة إلى الغفلة، (صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ")؛ أي: قلّبها على أنواع طاعتك، بأن تتقلّب من طاعة إلى طاعة أخرى، ولا تخرج عنها إلى المعاصي، وفي حديث النوّاس: "وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:"يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ"؛ أي: اجعله ثابتًا على دينك القويم، غير مائل عن صراطك المستقيم، والله تعالى أعلم.