للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"أو" هنا للشكّ من الراوي، هل قال بتقديم العجز، أو بتأخيره؟ ثم إن الشك يَحْتَمِل أن يكون من ابن عمر، أو ممن دونه، والله تعالى أعلم.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: رويناه برفع "العجزُ، والكيس" عطفًا على "كُلُّ"، وبجرهما عطفًا على "شيء"، قال: ويَحْتَمِل أن العجز هنا على ظاهره، وهو عدم القدرة، وقيل: هو ترْك ما يجب فعله، والتسويف به، وتأخيره عن وقته، قال: ويَحْتَمِل العجز عن الطاعات، ويَحْتَمِل العموم في أمور الدنيا والآخرة، والكيسُ ضدُّ العجز، وهو النشاط، والْحِذْق بالأمور، ومعناه أن العاجز قد قُدِّر عجزه، والكيس قد قُدِّر كيسه. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "حتى العجز والكيس" قيّدناه بكسر الزاي والسين وضمّهما، و"حتى" هي العاطفة، والرفع عَطْف على "كلُّ"، والخفض على "شيء"، و"الكيس": بفتح الكاف، لا يجوز غيره.

ومعنى هذا الحديث: أنه ما من شيء يقع في هذا الوجود كائنًا ما كان إلا وقد سبق به علم الله تعالى، ومشيئته، سواءٌ كان من أفعالنا، أو صفاتنا، أو من غيرها، ولذلك أتى بـ "كل" التي هي للاستغراق، والإحاطة، وعقّبها بـ "حتى" التي هي للغاية، حتى لا يخرج عن تلك المقدّمة الكلّية من الممكنات شيء، ولا يُتوهّم فيها تخصيص، وإنما جَعَل العجز والكيس غاية لذلك ليبيّن أن أفعالنا، وإن كانت معلومة، ومرادة لنا، فلا تقع منا إلا بمشيئه الله تعالى له وإرادته، وقدرته، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠]، وصار هذا من نحو قول العرب: قَدِم الحُجاج حتى المشاةُ، فيكون معناه: أن كل ما يقع في الوجود بقدر الله تعالى ومشيئته، حتى ما يقع منكم بمشيئتكم.

و"العجز": التثاقل عن المصالح حتى لا تحصل، أو تحصل لكن على غير الوجه المرضيّ، و"الكيس": نقيض ذلك، وهو الجدّ والتشمير في تحصيل المصالح على وجوهها، والعجز في أصله: معنى من المعاني مناقض للقدرة،


(١) "إكمال المعلم" ٨/ ١٤٣.