ترى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد استعاذ من الكسل، والعجز، والجبن، والدَّين، ومحال أن يستعيذ من الخير، وفي قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)} [الفلق: ١، ٢] كفاية لمن وُفِّق، وقال -عَزَّ وَجَلَّ-: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[النحل: ٩٣].
وروى مالك، عن زياد بن سعد، عن عمرو بن دينار، أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته: إن الله هو الهادي، والفاتن.
ثم أخرج بالإجازة عن عبد العزيز بن أبي روّاد قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: كنت عند ابن عباس، فأتاه رجل، فقال: أرأيت مَن حرمني الهدى، وأورثني الضلالة والردى، أتراه أحسن إليّ، أو ظلمني؟ فقال ابن عباس: إن كان الهدى شيئًا كان لك عنده، فمنعكه، فقد ظلمك، وإن كان الهدى له يؤتيه من يشاء، فما ظلمك شيئًا، ولا تجالسني بعده.
وقد رُوي أن غيلان القدريّ وقف بربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال له: يا أبا عثمان، أرأيت الذي منعني الهدى، ومنحني الردى، أأحسن إليّ، أم أساء؟ فقال ربيعة: إن كان منعك شيئًا هو لك، فقد ظلمك، وإن كان فضله يؤتيه من يشاء، فما ظلمك شيئًا، وإنما أخذه ربيعة من قول ابن عباس هذا، والله أعلم، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت: ٤٦]، {لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس: ٤٤]، و {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣]، ذكر عبد الرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أنه قال له رجل: يا أبا العباس إن ناسًا يقولون: إن الشرّ ليس بقدر، فقال: بيننا وبين أهل القدر هذه الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)} [الأنعام: ١٤٨، ١٤٩]
وقال غيلان القدريّ لربيعة: أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يُعْصَى؟ قال: وأنت تزعم أن الله يعصى قسرًا؟. انتهى (١).