ونقل الفراء أن بعضهم زعم أن "إلا" في قوله: {إِلَّا اللَّمَمَ} بمعنى الواو، وأنكره، وقال: إلا صغائر الذنوب، فإنها تكفَّر باجتناب كبارها، وإنما أطلق عليها زنا؛ لأنها من دواعيه، فهو من إطلاق اسم المسبَّب على السبب مجازًا. انتهى (١).
وقوله:(قَالَ عَبْدٌ)؛ أي: عبد بن حُميد شيخه الثاني، (فِي رِوَايَتِهِ: ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ) غرضه من هذا بيان اختلاف شيخيه، فإسحاق قال:"عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عبّاس"، فرواه بالعنعنة، وعبد بن حميد قال:"عن ابن طاوس، عن أبيه، سمعت ابن عبّاس"، فصرّح بسماع طاوس عن ابن عبّاس، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٥/ ٦٧٣٠ و ٦٧٣١](٢٦٥٧)، و (البخاريّ) في "الاستئذان"(٦٢٤٣) و"القدر"(٦٦١٢)، و (أبو داود) في "النكاح"(٢١٥٣ و ٢١٥٤)، و (النسائيّ) في "الكبرى"(٦/ ٤٧٣)، و (أحمد) في "مسنده"(٢/ ٢٧٦)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٤٤١٩ و ٤٤٢٠ و ٤٤٢١ و ٤٤٢٢ و ٤٤٢٣)، و (البيهقيّ) في "الكبرى، (٧/ ٨٩ و ١٠/ ١٨٥ - ١٨٦)، و (الطحاويّ) في "مشكل الآثار" (٣/ ٢٩٨)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (١١/ ٣٠٩)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان أن الزنا أنواع يحصل بالأعضاء المذكورة، ولكنه يكون من اللمم التي تكفَّر باجتناب الكبائر، كما قال تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الآية.
٢ - (ومنها): إثبات القَدَر، وأن الله تعالى قدّر الأشياء، وكتبها في اللوح المحفوظ، فهي تقع بمشيئته على مقتضى عِلمه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
(١) "الفتح" ١٥/ ٢٢٨ - ٢٢٩، كتاب "القدر" رقم (٦٦١٢).