للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الطيبيّ -رحمه الله-: و"مولود" مبتدأ، وقوله: (إِلَّا يُولَدُ) خبره؛ لأن "من" الاستغراقيّة في سياق النفي يفيد العموم، كقولك: ما أحد خير منك، والتقدير: ما من مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر، والفطرة تدلّ على نوع منها، وهو الابتداء والاختراع، كالجلسة، والقعدة، والمعنى بها هنا: تمكّن الناس من الهدى في أصل الجبلّة، والتهيّؤ لقبول الدِّين، فلو تُرك عليها لاستمرّ على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن هذا الدِّين حُسنه موجود في النفوس، وإنما يُعدل عنه لآفة من الآفات البشريّة والتقليد، كقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: ١٦]. انتهى (١).

(عَلَى الْفِطْرَةِ) بكسر الفاء، وسكون الطاء المهملة، سيأتي الاختلاف في تفسيرها قريبًا -إن شاء الله تعالى-.

(فَأَبَوَاهُ)؛ أي: المولود، قال الطيبيّ -رحمه الله-: الفاء إما للتعقيب، أو السببية، أو جزاء شرط مقدّر؛ أي: إذا تقرَّر ذلك، فمن تغيَّر كان بسبب أبويه، إما بتعليمهما إياه، أو بترغيبهما فيه، وكونُهُ تبعًا لهما في الدِّين يقتضي أن يكون حُكمه حُكمهما، وخُصّ الأبوان بالذِّكر؛ للغالب، فلا حجة فيه لمن حَكَم بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين، كما هو قول أحمد، فقد استمرّ عمل الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن بعدهم على عدم التعرّض لأطفال أهل الذمة (٢).

(يُهَوِّدَانِهِ)؛ أي: يجعلانه يهوديًّا إذا كان يهوديين، (وَيُنَصِّرَانِهِ)؛ أي: يجعلانه نصرانيًّا إذا كانا نصرانيين، (وَيُمَجِّسَانِهِ)؛ أي: يجعلانه مجوسيًّا إذا كان مجوسيين.

قال الحافظ وليّ الدين -رحمه الله-: قوله: "فأبواه يهوّدانه، وينصّرانه" يَحْتَمِل أن يكون بطريق العقل، والتعليم، والتسبيب، ويَحْتَمِل أن يكون بالتبعية حكمًا، وإن لم يقع ذلك فعلًا، وفيه على الثاني: تبعية الصغير لأبويه الكافرين في حكم الكفر، وهو كذلك بالإجماع، والواو في قوله: "وينصّرانه" بمعنى "أو"؛ لأن الأبوين لا يفعلان الأمرين معًا، وإنما يفعلان أحدهما. انتهى (٣).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٤٥ - ٥٤٦.
(٢) "الفتح ٤/ ١٨٥.
(٣) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٧/ ٢٢١.