للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالنُّورُ ذُو نَوْعَيْنِ مَخْلُوقٌ وَوَصْـ … فٌ مَا هُمَا وَاللهِ مُتَّحِدَانِ

وَكَذَلِكَ الْمَخْلُوقُ ذُو نَوْعَيْنِ مَحْـ … سُوسٌ وَمَعْقُولٌ هُمَا شَيْئَانِ

احْذَرْ تَزِلُّ فَتَحْتَ رِجْلِكَ هُوَّةٌ … كَمْ قَدْ هَوَى فِيهَا عَلَى الأَزْمَانِ

مِنْ عَابِدٍ بِالْجَهْلِ زَلَّتْ رِجْلُهُ … فَهْيَ إِلَى قَعْرِ الْحَضِيضِ الدَّانِي

لَاحَتْ لَهُ أَنْوَارُ آثَارِ الْعِبَا … دَةِ ظَنَّهَا الأَنْوَارَ لِلرَّحْمَن

فَأَتَى بِكُلّ مُصيبَةٍ وَبَلِيَّةٍ … مَا شِئْتَ مِنْ شَطَحٍ وَمِنْ هَذَيَانِ (١)

وَكَذَا الْحُلُولِيُّ هُوَ خَدْنُهُ … مِن هَاهُنَا حَقًّا هُمَا أَخَوَانِ

وَيُقَابِلُ الرَّجُلَيْنِ ذُو التَعْطِيلِ وَالْـ … حُجُبِ الْكَثِيفَةِ مَا هُمَا سِيَّانِ

ذَا فِي كَثَافَةِ طَبْعِهِ وَظَلَامِهِ … وَبِظُلمَةِ التَّعْطِيلِ هَذَا الثَّانِي

وَالنُّورُ مَحْجُوبٌ فَلَا هَذَا وَلَا … هَذَا لَهُ مِنْ ظُلْمَةٍ يَرَيانِ (٢)

[فائدة]: في تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} الآية [النور: ٣٥].

قال العلامة ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا مثلٌ لنوره في قلب عبده المؤمن، كما قال أُبَيّ بن كعب وغيره، وقد اختُلِف في مفسر الضمير في {نُورِهِ}، فقيل: هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي مثل نور محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: مفسره المؤمن، أي مثل نور المؤمن، والصحيح أنه يعود على الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، والمعنى: مثلُ نور الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - في قلب عبده، وأعظمُ عباده نصيبًا من هذا النور رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا مع ما تضمنه عود الضمير إلى المذكور، وهو وجه الكلام، يتضمن التقادير الثلاثة، وهو أتم لفظًا ومعنًى، وهذا النور يضاف إلى الله تعالى؛ إذ هو معطيه لعبده، وواهبه إياه،


(١) قال في "مدارج السالكين": ولا سبيل لأحد قط في الدنيا إلى مشاهدة الحقّ، وإنما وصوله إلى شواهد الحقّ، ومن زعم غير هذا فلغلبة الوهم عليه، وحسن ظنه بترّهات القوم وخَيالاتهم، قال: ولا ريب أن القلوب تشاهد أنوارًا بحسب استعداداتها، وتقوى تارةً، وتضعف تارة، ولكن تلك أنوار الأعمال والإيمان والمعارف، وصفاء البواطن والأسرار، لا أنَّها نور الذات المقدّسة، فإن الجبل لَمْ يثبت لليسير من ذلك النور حتى تدكدك، وخرّ موسى صعقًا مع عدم تجلّيه له، فما الظنّ بغيره؟! انتهى.
(٢) "النونيّة" ٢/ ٢٣٧ - ٢٣٩.